الشيخ محمد المدني يتحَدّث عن الَقدَر، “عَلَى العاقِل إلاّ أن يَعترفَ بإحاطة القَدَر بِكُلّ فعلٍ من أفعال البَشَر، وتلكَ حكمة الله في خلقه لجميع الكائنات، قامَ بها ناموس الوجود، فَجَعل الخلقَ قِسمَين:
نَعيمٌ وعقابٌ و﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾، وهي حِكمَة غامضةٌ، لا يُدرك ثَمرتَها إلاّ من ألقى نَفسَه في بحار التّسليم والرّضا، تُحَركها أمواج القَدَر والقَضا.
والمَـريضُ لا يَبْـَرأ من علّتـهِ إلاّ إذا سلّم نفسه للطَبيب يُقلّبه كيف شاءَ وأرادَ، ويَفعل به ما أدّته إلَيْه المعرفة والاجتهاد. فَيَجرح تارةً ويَقصُّ تارةً أخرى لتحصل العافية التّامة والرّاحة الشّاملة العامّة.
وأفعال الحَقّ، جلَّ وعَلا، قلَّ أن تُدركَ لِلخَلق، لِقُصورهم عن دَرك أقلِّ القَليل من ذلك، ولمّا علم الحقّ أنّ التّقصيرَ وَصفُ البَشَر، قال لهم في كتابه المكنون: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾
كتاب بُرهان الذّاكرين، يُعتَبَر هذا الكتابُ من أمَّهات الرَّسَائل الحَديثة، في تونسَ والعالَم الإسلامي، حيث يَتَجَلَّى فيه التوافق الأتَمُّ بَينَ الشَّريعَة والحقيقة والطَّريقَة. فَفيه أوضَحَ الشيخ محمد المدني بالدَّليل الواضح أنْ لا تعارضَ البَتَّةَ بَينَ مَناهج التزكية الروحيَّة – والأذكارُ في مُقَدِّمتها- وبينَ نُصوص الشريعة الغرَّاء، فالتصوُّف إنما هو روحُ الإسلام وجوهَرُه الصافي، بل هو الغاية المنشودة من كلِّ عِبادَةٍ، وحَلَبَةُ الهدى التي تَتَسابق فيها جياد الفَهْم والتقى. وتُثبِتُ القِرَاءَةُ المُتأنّيَّةَ لفصول هذه الرسالة أنَّها بمثابة «فَتوى شاملة» تَنْطَبقُ على أمَّهات شعائر التصوّف العمليّة، وعلى رأسها الذِّكْر، مع كل ما يتصل به من هَيئاتٍ وطرائق، حتى يُثبتَ، بشكلٍ قَطعيٍّ، تَطابُقَها مع أصول الدين ومَقَاصده ومَراميه. والكاتِبُ يفي بذلكَ بِالغَرَضَيْن اللذين التَزَمَ بهما في العُنوان: التدليل عَلى شرعيّة هذه الشعائر ودَحْض مَقولات المُنكرين وبَيان تَهافتها، إمّا برَدّها تمامًا أو بِإظْهار نِسبيّتها. وقد صال الشيخ المدني في ميدان البَرهنة والجدل وتصرّفَ في أفانين الاستدلال الفقهي، مما يُظهر طولَ باعه في هذا القطاع وامتلاكه لناصية هذا الفن الإسلامي الأصيل. وحق لهذا الكتاب أنْ يَحمل اسمَه، فَهو أسْطَعُ بُرهانٍ عَلى شَرعيّة الذكر وأنصع بَيَانٍ في بَيَان مُوافقته لنصوص القرآن والسنَّة.
فَحقيقٌ لكلِّ مَن كانَ له قلبٌ أن يُلقيَ السَّمعَ فَيُصغي إلَى هَمسَات النور وتَرنيم الهداية التي انْبَعَثَتْ مِن مَعدِن القِدَم، بل مِن مُكتَنَزِ المَعالي حتى تراءتْ لأعين الصالحين، فامتَدَّت إليها هِمَمهمْ فارتَشَفُوا مِن يَد الرّضا والثَّناءِ أغلَى صِلات الحقّ وأجلّ العطايا.
فالابتهاج بها أيامَ شَهر الرَّبيعِ إنَّما هو من نشوة التَّداني بَعدَ جَفوة التنائي، ومن بَرْد الاتصال بعد حرّ الانفصال…
والعَجَب مِمَّن يتَطوَّحُ في مُطارَحات الفُقهاء – وما هِيَ للفَهم بِيَسيرَةٍ- والحقُّ أنَّ عَزيزَ الأشواق التي تهزُّ الأرواح لا تطلبُ في مَراتب الأقيسة، والأعجب أن يُطلبَ الدليل على الفرح بمولِد مَن تَغنَّى الحقّ بأخلاقه العالية، وأقسمَ بحياته الشريفة، وأنزلَ على قلبه كلماته وتمتعت مُقلتاهُ بالنظر الى ذاته الأحديَّة… فما زاغَ البصرُ وما طغى….
في الاحتِفَال بِذِكْرى مَولِدِ الرَّسولِ الأعْظَمِ، صَلَّى الله عليه وسلَّمَ، فَوائِدُ لا تُحْصَى وثَمَرَاتٌ لا تُسْتَقْصى، جَمَعْنا بَعْضَها عَلى سَبيل الاعتِبَار، تَبْصِرةً وبَلَاغًا لِأولي الأنْظَار:
1) إظهارُ الفَرَح والسُّرور بِأفْضَالِ اللهِ تَعَالى عَلَى عِبادِهِ المؤمنينَ. وأعْظمُ هذه الأفْضَال ظُهُورُ سَيِّدِ الرِّجال، رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى : “قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ“، (يونس: 58).
2) شُكْرُ اللهِ تَعالى على نِعَمِهِ البَاهِرَةِ وآلائِهِ الـمُتَظَاهِرَة. وأعْظَمُهَا نِعْمَةُ مَوْلد رسولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، وظهور رسالته في العالـَمين، مِصداقًا لقولِهِ تَعالى : “لئن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ” (إبراهيم: 7).
3) التَّدبُّر في قَصَص الأنبياء وسِيَرِهم الفَيْحاء. وأجْمَلُ تلكَ السِّيَر وأجْمَعُها لِلَوَاقِح العِبَرِ السيرة النبويَّة الغَرَّاء، بما تَضَمَّنَتْه من حُلوِ الشمائل ومِسْكِيِّ الفَضَائِل. قال تعالى: “لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ (يوسف : 111).
8) تَجميعُ النَّاس على الذِّكْر والإنْشَاد ومَدْحِ سَيِّد العِباد، صلى الله عليه وسلم، والثناء على أخلاقه الهَواد، لِتقوية الداعي إلى اتّباع سُنَّته ولزوم مَحَبَّتِهِ عَلَى مَرَّ الآماد. وكلُّها من صَالِحِ الأعْمَال وسَبيلِ الرَّشَاد. قال تعالى: “قُلْ: إن كُنْتُم تُحبِّونَ اللهَ فَاتبعوني يُحْبِبكُم اللهُ (آل عمران: 31).”
9) مُلاحَظَةُ مَعْنى الاحتِفاء النَّبَويّ بِيَوم مِيلادِهِ، عليه الصلاة والسلام، الذي كان يُحْيِيهِ بصَومِهِ الاثنينَ، قائلاً: “ذلكَ يَومٌ وُلِدُتُ فيه، وبُعِثْتُ فيه“،(مسلم: 1256)،كما أنَّه “عَقَّ عن نَفْسِهِ بَعدَ أن بُعثَ نَبِيًّا” (الطبراني: الأوسط، 1، 198). ولنا أنْ نَقتَدِيَ به في مَعنى الاحْتِفاء بِمَولده. قال تعالى: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أسْوَةٌ حَسَنَةٌ” (الأحزاب: 21).
10) تَذكير الأمة بِسِير عُظمائِها وأزمانِ رَخَائِها وشَعائِر ازدهائِها وتاريخ صُلحائِها حتى تكونَ دِرْعًا يَحمي الناشئةَ ويَرعَى الـمَعالِمَ التي بَثَّها الله في الزَّمَان والمكان وأقامها شعيرةً (أي: مَعلمًا) دالاً على الإحسان. قال تعلى: “ذَلكَ ومَن يُعَظِّم شَعائِرَ الله، فإنَّها مِن تَقْوَى القُلُوب” (الحج: 22).
والخُلاصة أنَّ الاحتفاءَ بمولده، عليه الصلاة والسَّلام، عملٌ صالحٌ من أعمالِ الجَوَارحِ والوِجْدَان، تُنَال به أعْلَى مَرَاتِبِ الفَضْل والرِّضوان.
تحرير ن. المدني، غَفَرَ الله له. شهر ربيع الأنور 1441. نوفمبر 2019.
الشيخ المدني يدافع عن شيخه الأستاذ أحمد العلاوي رضي الله عنهما، “وممَّا أجابَ به أستاذُنا، رَضيَ الله عنه، عَن سؤالٍ، سَألَه بعضُهم، عن مَعنَى بَيتٍ، نَسَبَه بعضُ المُنكرينَ إلى الأستاذِ الأكبر، سيّدِنا أحمد بن مصطفى العلاوي، رضوان الله عليه، ونَصُّهُ بحُروفه: “كتابٌ مَفتوحٌ“:
4. مِن تلك الأسبابِ أنَّ التَّسَرَّعَ في الجَوَاب، كالتَّسرّع في الإنكار، مَزَلَّةٌ للأقدام، ولو كان من العُلَماء الأعْلام . ولذلك قال تَعالى، لِنَبيه عليه الصلاة والسلام: “وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا “، “وفي التأنّي السلامَة وفي العَجَلَة النَّدامة”.
5. سَألتمونَا، في كتابكم، عن بَيتٍ نَسَبَه إلى أستاذنا العَلاويّ، رَضي َالله عنه، كاتبُ مَقالٍ من مَدينَة “طولقة “، بِعَمل قسطنطينَة ، نَشَرَها صاحب الوزر في جريدته بعَدَد 251 وقد تَأَنَّيتُ غيرَ قليلٍ، حتّى راجعتُ ذلكَ العَدَدَ واطَّلَعتُ على ما كَتبه الطولقي في مقالَتِه وحتَّى راجعتُ ديوانَ الأستاذ، في نُسخةٍ استَعَرْتُها من أحَد إخوانِنا، لأنَّه لَم يَكنْ بيدنَا نُسخةٌ حاضرةٌ، فَتَصَفَّحتُ الديوانَ وَرَقَةً ورقةً أو نقول: بيتًا بيتًا، فَمَا وجدتُ به هَذَا البيتَ المَسؤولَ عَنه، الذي هو قولُ بَعضهم:
فَلَولاكَ ما كنَّا ولولايَ لم تَكن * وكنتَ وكنَّا والحقيقة لا تُدرى
6. وإنّي قَد كنتُ رَأيتُه قد نُسبَ لبَعض الأقدمين. غيرَ أنّي لطول عَهدي به، نَسيتُ قائِلَه. كما أنّي كنتُ سمعتُه مِن فَم الأستاذِ ، يَتَمَثل به، يَنسبُه لِغَيره. وعَلَيه، فَالطولقي، صاحبُ المَقالة، سَامَحه الله، هو مَن نَسَبَ هَذا البَيتَ لمَولانا الأستاذ. ويَكفيه طعنًا في مقالاتِهِ هذا التزويرُ، الذي لا يَليق بالمُؤمنين.
7. واعلَمْ سيدي أنَّ الطولقي وأمثالَه الكاتبينَ في هَذا الموضوع، لَيسَ لهم غَرَضٌ في تَمحيص الحقيقة والكتابَةِ لأجل بَيَانِ ما اسْتَشكلَ من كَلامِ القوم. ولو كانَ ذلكَ قَصدَهم، لَكاتَبوا الأستاذَ رَأسًا، يَسألونه عمَّا استَشْكَلوه مِن كَلامه. إنَّما غَرضُهم تَصويرُ الصَّواب في صورَة الخَطَأ، كَيْ لا يَشتغلَ الناسُ بتَواصلُ الخَيْر من الاجتماع على ذِكْرِ الله، عَزَّ وجَلَّ، والاغترافِ من بُحور العلوم اللدنيَّة، التي نَهَلَ منها أسلافُنا الأقدمونَ، رضيَ الله عنهم. وهاته شَنشنةٌ يَقوم بها المُعاصرونَ، في كلّ زَمانٍ ومَكانٍ، ويَنْسبون لأهل عَصرِهِم ما هُمْ بَرَاءٌ منه، من السِّحر تارةً والزَّنْدَقَة والكُفْر أخرَى.
8. وهاته الخَصلةُ من المُعاصرين المُنكرين آيَةٌ بَيَّنَةٌ، تدلُّ على رِفعَةِ شأنِ المُنكَرِ عَلَيه، وعُلُوّ كَعْبِه. ولذلك قال الغَزاليّ، رَضيَ الله عنه، “واسْتَحقِر مَن لا يُحسَدُ ولا يُقذف، واستَصغِر مَن بِالكُفرِ أو الضَلالِ لا يُعرَفُ” . ولكنَّ أهلَ عَصرِنا، عَفَا الله عنَّا وعَنهم، لم يقفوا على حدِّ ما وَقف عَلَيه المنكرون قَبْلهم، بل زاد طينُهم بلَّةً ومَرَضُهم عِلَّة، فَتَراهم أنواعًا وأشكالاً، وكلُّهم يَرومونَ هَدمَ سُور من الدّين الحَصين، الذي لا يَأتيه البَاطلُ من بين يَدَيْه ولا مِن خَلفه. والله مُتمٌّ نورَهَ، ولو كَرهَ المَنبوذونَ.
9. نَعم، إنَّ أصدَقَ كَلمة كتبها الطولقي في مقالته هي قوله: “عَثَرنا على تأليف الشيخ العلاوي تصانيفه فإذا فيه من كل فاكهة زَوجان“، وهي كلمة حق وقولةٍ صدقٍ. “والحَقيقة قد تَجري على ألسنة أناس وهم لا يَشعرون” .
10. هذَا، وأما ما يَرجع للبيت المسؤول عنه، فإنَّ لَه مَعنًى صحيحًا واضحًا، لكلِّ مَن أعارَهُ اللهُ أدنى قَبَسٍ من نُور إيمانه. وليسَ عاقلاً مَن يُعَوّجُ المستقيمَ أو تَلعب به الأهواءُ إلي الفَهم السَّقيم، إنَّما العَاقل مَن يَنظر للأشيَاء بعَين التعظيم فيستمدّ منها ما يَشفي غَليلَه ويُبرئُ عليله .
11. وبِاختصارٍ، إنَّ هذا البَيتَ لَيسَ منَ اللّغزِ في شَيءٍ، حتَّى يَقفَ العَقلُ عَن حَلّه. إنّما مَعناه، على سبيل الإجْمال،: فَلولاكَ يَا مَولانَا لَم نَكن مَوجودينَ في نِعَمٍ لا تُحصَى وخَيراتٍ لا تُسْتَقصى. ولولايَ، أنَا المَخلوق، فيَدخلَ فيه كلُّ عَبدٍ، لَم تَكن معروفًا مَعبودًا. فَالجُملة الأولى اعترافٌ مِن العَبد لمَولاه بنعمَتَيْ: الإيجاد والإمْداد. والجُملَة الثانية إفرادٌ بالعبوديَّة وقيام بحقِّ الرّبوبيَّة على جَميع العباد. والثانيةُ مُفَرَّعَةٌ عَن الأولى.
12. فقولُه: فَكنتَ وكنَّا أي: فَكنتَ مَوجودًا مُنعمًا، وكنَّا لَكَ عبيدًا شاكرينَ. وحقيقةُ كَينونَتِكَ وكَينونَتِنا لا تُدرى لأحدٍ من خَلقكَ، إنَّما أنتَ وَحْدَكَ المُنفردُ بِالعلم. فهذا البيتُ ليسَ من الفَنَاء أو الفَنَاء عَن الفَناء، الذي هو عَين البَقَاء، في اصْطلاحِ القَوم، إنما هو مُناجاة من العَبد لمَولاه واعترافٌ بِمَنْ خَلَقَه وسَوَّاه. هذا ما يَفهمه أخوكُم من هَذا البَيت وهو ما يُعطيه ظاهر اللفظ ويَقتَضيه حالُ المُؤمن.
13. وأما الفَنَاءُ والبَقَاءُ، المُصطَلح عليهما في عِلم القوم، فكثيرًا ما يَخرجُ كَلامُهم عَنهما، إذ الكلامُ إذا كان ناشئًا عَن تَعَمّلٍ وتَصَنُّعٍ أمَكن جَرَيَانُه على ما يَقتَضيه الاصطلاحُ، أمَّا إذا كان صادرًا عَن لِسانٍ صَادقٍ وذَوقٍ خَارقٍ وقَلب شَارقٍ وحَالٍ شَائقٍ، فَأنَّى لَه أن يَنْضَبطَ بِاصطلاحٍ أو يَتَأتَّى عَن مَعناه إعرابٌ وإفْصَاح. ولذلكَ قالوا: “ألْسنة المُحِبين أعجميَّة“، يعني: لا يَفهمها إلا مَن مَارَسَهم وتَحَلَّى بِحُللهم وتَحَقَّق بحقائقهم. ولا عَجَبَ في ذلك، لأنَّه شَأن كلّ فنٍّ، فَإذا تَكَلَّم النحويٌّ أو المنطقيُّ مثلاً بقواعِده، وما أخَذَه عن مشائخه من الاصطلاحات، التي يَقتَضيها الفنُّ، فَلا شكَّ أنَّ الأجنبيَّ عنه، أعني: الذي لَم يُمارس عِلْمَهُ، إذا سَمعه قال له: إنَّه كَلامٌ أعجميٌّ لا يُفهَم. وقد جَرَّبنا ذلكَ، عندما كنَّا في حالة الصِّغَر، فَقد كنَّا نَجلس إلى دروس بعض المشائخ، ونَسمَع تلكَ الألفاظَ الاصطلاحيَّة، حتى يَظهرَ لنا كأنَّ الشيخَ يَتَكَلم بلسان غَير عَربيٍّ. وهَكذا، عِلمُ القوم وما فيه ورجالُه وما يَصدر منهم.
14. نَسألُ الله تَعالى أنْ يلهمَ الجَميعَ لما فيه صلاح الدَّارَيْن، بِحُرمَة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم. والسَّلام مِن كَاتبه، أخيكم العبد الضعيف محمد المدني العلاوي، في يَوم الاثنين من صفر1347 .
مَبدأ التحقيق:
نقدّم للسادة القرَّاء الكرام هذه الوثيقة النفيسة وهي رسالة مفتوحةٌ، كَتَبَها سيدي محمد المدني سنة 1928 دفاعًا عن شَيخه سيدي أحمد العلاوي من تُهمة الحلول والاتّحاد ورفعًا لالتباسٍ وقع فيه أحد المُنكرين. والرسالة في الأصل مُوجّهة إلى شيخ الطريقة القادرية آنذاك بمدينة قفصة سيدي بلقاسم الشريف. وقد نفى الشيخ المدني عن شيخه هذه التهمة وأبطلها وشرح البيت المسؤول عنه بطريق التأويل ورَدَّه بلطفٍ إلى حظيرَة الشريعة. هذا، والرّسالة طافحةٌ بالتعاليم الراقية والحكم الغالية التي استقاها المريدون ودوّنوها. ثم إنها تعكس انفتاحَ الشيخ المدني على الطرق الصوفية الأخرى السائدة في عصره وتعظيمه لشيوخها. رَحمه الله .