بِسم الله الرّحمن الرحيم
عشر نصائح شفوية من الشيخ محمد المدني، رضي الله عنه.
1. قَدمَ علينا الأستاذ (الشيخُ مُحمد المدني)، رَضيَ الله عنه، في هذا اليَومِ الـمُبارك، مُتَممًا سياحتَهُ الـمَيمونَة، بصحبة الشَّيْخَيْن سيدي إسماعيل الهادفي وسيِّدي حَسونَة الهِنتاتي. فَكَأنِّي سُحْبُ الرحمة قد غَشِيتَنا، وأمطارُ الخَير والفَلاح قد غَمَرَتنا، والبَركة قد نَصبَت خيامَها بِحمانا، فَالحَمد لله رب العالمين.
2. فَاستبشرت القلوبُ والضمائرُ، وامتلأت أفئدتنا فرحًا وسرورًا بزيارة الشيْخ، يُنبوع نَسيم الأنس والصفا، وعَطف مَحبوبنا، وإشراقِ سنا وَسِيطنا، قُدوة العالمين. فما إن استقرَّ به المقامُ، وتَحَلّت به الألحاظُ، حتى غَابَت عن الوجود، ورَسَخَت في الشهود، وتَوحدت به القلوبُ على حَضرة المحبوب. وإذا بلسان الحقيقة يَبْرُق بالشرع، والبيان مُعربًا عن مكنون ذلك الجَنان، وما أودَعَ الله من صدق المحبة وقوة اليَقين. قال، رضي الله عنه:
3. تَفَكَّروا يا ساداتِنا في قول الله تعالى لنبيه، صلى الله عليه وسلم،: “وذَكِّر فَإنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المؤمنين” (سورة الذاريات: 55)، هذا وعدٌ من الله، تَبارَكَ وتَعالى، وَوَعدُه الحق بنَفْع التذكير وعَوده بالخير والصلاح على قلوب المؤمنين. واعْلَموا أنَّ هذا الأمرَ لَيسَ للنبي، صلى الله عليه و سلم، فَحَسب بل يشمل كلَّ مؤمنٍ برسالته، صلى الله عليه و سلم، كان هواه تبعًا لهواه، وليس له متبوعٌ سواه.
4. “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ” (سورة آل عمران: 31)، وهو، صلى الله عليه وسلم، له الفَضلُ الأكبر، عَرَّفنا بالله، وحَبَّبَه إلينا، ثم أمَرَنا بذلك بمُقتَضى قول الحق تبارك وتعالى: “والذين في أموالهم: (أي: أموال المعرفة بالله) حقٌّ مَعلوم للسائل والمحروم (سورة المعارج: 24)، وقَوله: “وأمَّا بنعمة ربك فحدث” (سورة الضحى: 11)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : “حَبِّبوا اللهَ إلى عباده يُحببكم الله” (المعجم الكبير: 8/91/7461 و ح 7462، مسند الشاميّين: 2/63/925، الفردوس: 2/130/2659 وفيه «حبّبوا إلى الله عزّوجلّ عباده» بدل «حبّبوا الله إلى عباده»). وهذا سبيله، صلى الله عليه وسلم، وسبيل أصحابه، رَضيَ الله عنهم، وأتباعهم و مشائخنا، وعَلَيه اجتماعُنا سابقًا والآن ولاحقًا، إن شاء الله تعالى، “يؤيِّدُ بِفَضله مَن يَشاء”.
5. قال تعالى: ” قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِيۖ ” (سورة يوسف: 108) وبهذا عَلَّمنا وهبنا وإن قال الحق: ذَكر و لم يقد لهم أن ما للمؤمن أن يذكر أخاهُ سوى بتقوى الله واتباع مأموراتِهِ، واجتناب مَنهياته، والعمل بسنة رسول الله، صلى الله عليه و سلم، والتَّدَبُّر في أقواله وأفعاله وأحواله، و تَفرّغ القلب للعبادة والتفكر في آيات الله والتذكر في أيامه. قال تعالى: “وذَكِّرهم بأيَّامِ الله” ( سورة إبراهيم: 5) ومُشاهدة جماله المتجلي به، فَتَنجلي عنه سحبُ الغَفلة والغُرور، وتَغمرُه نفحاتُ القُرب والحضور “وَمَن يَهد الله فَمَالَه من مضلٍّ” ( سورة الزمر: 37).
6. فَليُحسن كلَّ فَردٍ منَّا ظَنَّه في رَبه وليتوكل عَليْه. ونَكون من الذين وَصفَهم الحق بقوله : “ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرۚ ” (سورة آل عمران: 104) حتَّى تَرتاح القلوب وتَطمئنَّ الأفئدة بين إخواننا المؤمنين. ثمَّ ليَكن عملنا مخلصا لوجه الله تعالى، وهَذَا شَرط النفع للذكر و التذاكر. فكلُّ ما كان لله تحقق نَفْعُه لوَعد الله بهِ. وهنيئًا لمن كان هذا حالُه.
7. فَليَتَحقق كلُّ فَردٍ من أهل نسبة الله أنه مادام في خِدمة ركابِ نِسبة الله، من تذكير عباد الله المؤمنين، مريدًا لهم الخيرَ بقلبٍ سليمٍ، مخلصًا لله في جميع أعماله وأحواله، لا بدَّ أن يصيبَ قولُه مَحَلَّه من القلوب لثبات تعبيره وإتقانه وتَرتيب نظامه.
8. وقولنا: “لثبات تعبيره” له دليل من الكتاب. وذلك ما يقتضيه قول الحق تبارك وتعالى “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” (سورة الرعد: 28)، فالذاكرون قلوبُهم مطمئنةٌ، وأفئدتهم ثابتة، مؤيدة بالله، “والله يؤيد بفضله ما يشاء”.
9. ومَن كان هذا حالُه، دَعَا إلى الله على بَصيرةٍ ثابتَةٍ، يُعطي لكل ذي حق حَقَّه في المذاكرة من الشريعة والحقيقة، يُنْطِقه الله بالكلمة البالغة، ويَجعل حجَّتَه دامغةً، لزهده في حظِّ نَفسه وهواه، و دوام حضوره مع الله. قال إمامُنا مالكٌ: “مَا زَهِدَ عَبْدٌ واتَّقَى إلا أنْطَقَهُ الله بالحِكمَة“. (ذكرها ابن عطاء الله)، فَمَا يَحضرُ فردٌ من أفراد نسبة الله في مجلسٍ إلا كان حكيمًا، إذا سُئلَ أجابَ وأجادَ، وإذا نَصَحَ أحسنَ وأصابَ. و هذا أمرٌ مُشاهَدٌ والحَمدُ لله.
10. فالشُّكرَ الشكرَ، يا ساداتِنا، على نعمة الله، لعلَّ الله يزيدُنا من فَضله. قال تعالى: “ وقلْ عَسَى أن يهديني ربي لأقربَ من هذا رشداً” (سورة الكهف: 24)، ” وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ ” (سورة النجم : 42)، فالحمدُ لله على تَحقيق الوَعد. وصلى الله على سيدنا محمد، الرحمة الواسطة والدرة النائرة، عين الوُجود ومِفتاح الشهود، مَنبَع الحِكمة وعُروج السِّدرة، صفي الخبير، فَصيح التعبير، وعلى آله وصحبه فُرسان ال…. والتطهير، وسَلّم تسليمًا كثيرًا، والحَمد لله رب العالمين.
مذاكرة دونها سيدي محمد طقطق، أثناء سياحة بمدينة صفاقس 1952.
تحقيق ن. المدني.
24 ديسمبر 2018.