دار الإفتاء المصرية تُجيزُ مَشْروعيَّةَ الاحتفال بالمَولد النبويّ الشَّريف

Home شعائر التصوف كتابات صوفية دراسـات دار الإفتاء المصرية تُجيزُ مَشْروعيَّةَ الاحتفال بالمَولد النبويّ الشَّريف

السؤال الأول

[[الطلب المقيد برقم 1186 .
ما حُكم الاحتفال بالمولد النبوي وموالد آل البيت وأولياء الله الصالحين؟
الجواب: المَولد النبويُّ الشَّريف إطلالةٌ للرحمة الإلهيَّة بالنسبة للتاريخ البشرى جَميعِه، فلقد عَبَّرَ القرآنُ الكريم عن وُجود النبي -صلى الله عليه وآله وسلّم- بأنَّه ’رَحْمَةٌ للعالمين’، وهذه الرحمة لم تكن محدودةً، فَهي تَشمل تربية البشرَ وتزكيتَهم وتعليمَهم وهدايتَهم نَحوَ الصراط المستقيم، على صعيد حياتهم المادية والمعنويّة. كما أنَّها لا تقتصر على أهل ذلك الزمان، بل تمتدُّ على امتداد التاريخ بأسره “وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”(الجمعة : 3 ) .
والاحتفالُ بذكرى مَولِد سيِّدِ الكونَيْنِ وخاتَمِ الأنبياء والمُرسلين، نبيِّ الرحمة، وغوثِ الأمة، سيِّدنَا محمدٍ، صلى الله عليه وآله وسلّم، ومَحَبَّة النبي صلَّى اللهُ عَلَيه وآله وسلّم أصلٌ من أصول الإيمان. وقد صحَّ عنه أنَّه، صلى الله عليه وآله وسلّم، قال : ’لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى أكونَ أحَبَّ إلَيه مِن والده وَوَلَدِه والناس أجمعين’، رواه البخاري.
قال ابنُ رَجَب[[هو الإمام الحافظ العلامة زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن بن الحسن بن محمد بن أبي البركات مسعود السلامي البغدادي الدمشقي الحنبلي أبو الفرج الشهير بابن رجب، (736 هـ – 795 هـ) مؤلف كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري]] : ’ مَحبَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من أصول الإيمان، وهي مُقارِنةٌ لمحبة الله عز وجلَّ، وقد قَرنَها الله بها، وتَوَعَّدَ من قدّم عليهما محبة شيء من الأمور المحببة طبعا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال تعالى : ’قل إن كان آبائكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره’ ( التوبة : 24 ).

ولمَّا قال سيدنا عمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم : يا رسول الله، لأنتَ أحبُّ إلى من كل شيء إلا نفسي. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : لا والذي نفسي بيده، حتَّى أكونَ أحبَّ إليك من نفسك. فقال له سيدنا عمر : فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ’ الآن يا عمر ’ رواه البخاري .

والاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلّم هو الاحتفاءُ به. والاحتفاء به صلى الله عليه وآله وسلّم أمرٌ مقطوع بمشروعيته، لأنه أصل الأصول ودعامته الأولى، فقد علم الله سبحانه وتعالى قدر نبيه، فَعَرَّفَ الوجودَ بأسره، باسمه وبمَبعثه وبمقامه وبمكانته، فالكونُ كله في سرور دائم وفرحٍ مُطلق بنور الله، وفَرَجِه ونِعمته على العالمين وحجَّته.

وقد دَرج سلفنا الصالح منذ القرن الرابعِ والخامس على الاحتفال بمولد الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام وتلاوة القرآن والأذكار وإنشاد الأشعار والمدائح في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، كما نصَّ على ذلك غير واحد من المؤرخين مثل الحافظ ابن كثير، والحافظ ابنُ دحيةَ الأندلسي، والحافظ بن حجر، وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطي رَحمهم الله تعالى .

ونص جماهير العلماء سلفاً وخلفاً عَلى مَشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، بل ألف في استحباب ذلك جماعةٌ من العلماء والفقهاء، بَيَّنوا بالأدلة الصحيحة استحبابَ هذا العَمل، بحيث لا يبقى لمن له عقلٌ وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف.

وقد أطال ابن الحاج [[ابن الحاج العبدري (؟-737) (؟-1336) محمد بن محمد بن محمد أبو عبد الله العبدري، من قبيلة عبد الدار من أهل فاس من وجوه المالكية. كان قاضيا خبيرا فقيها بمذهب مالك نزل مصر وفيها توفي. تلقى الفقه عن أبي إسحاق الطماطي، وعنه أخذ الشيخ عبد الله المنوفي والشيخ خليل وغيرهم، له تصانيف كثيرة منها: مدخل الشرع الشريف وهو كتاب المدخل الذي اشتهر، قال عنه ابن حجر: كثير الفوائد كشف فيه معايب وبدع يفصلها الناس ويستاهلون فيها وله أيضا كتاب شموس الأنوار وكنوز وغير ذلك.]] في كتابه ( مَدخل الشرع ) في ذكرى المزايا المتعلقة بهذا الاحتفال، وذكر في ذلك كلاماً مفيداً يَشرح صدورَ المؤمنين، مع العلم أنَّ ابنَ الحاج وضع كتابه ( المدخل ) في ذمّ البدع المُحدثة التي لا يتناولها دليل شرعيٌّ، وللإمام السيوطي في ذلك رسالة مُستقلة سماها ’ حسن المقصد في عمل المولد ’ .

والمُراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوي هو تَجَمُّع الناس على الذكر، والإنشاد في مَدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلّم، وإطعام الطعام صدقةً، إعلاناً لمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وإعلاناً لفرحنا بيوم مجيئه الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم. ويدخل في ذلك ما اعتاده الناس من شراء الحلوى والتهادي بها في المولد الشريف، فإنَّ التهادي أمر مطلوب في ذاته. لم يقم دليلٌ على المنع منه أو إباحته في وقت دون وقتٍ، فإذا انضمَّت إلى ذلك المقاصدُ الصالحةُ الأخرى كإدخال السرور على أهل البيت وصلة الأرحام فإنه يُصبح مُستَحَبًّا مندوباً إليه، فإذا كان ذلك تعبيراً عن الفَرح بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم كان ذلك أشد مشروعيةً وندباً واستحبابًا، لأنَّ للوسائل أحكام المَقاصِدِ، والقول بتحريمه أو المَنعِ منه حينئذ ضربٌ من التنطّع المَذموم .

ومما يَلتبس على بعضهم دَعوى خلوِّ القرون الأولى الفاضلة من أمثال هذه الاحتفالات، ولو سَلِمَ هذا – لَعَمْرُ الحقِّ – فإنَّه لا يكون مُسَوِّغاً لمنعهَا، لأنه لا يشكُّ عاقلٌ في فرحهم – رضي الله عنهم- به صلَّى الله عليه وآله وسلّم، ولكنْ للفرح أساليبُ شتَّى في التعبير عنه وفى إظهاره، ولا حَرجَ فى الأساليب والمَسالك، لأنَّها ليست عبادةً في ذاتها، فالفَرح به صلى الله عليه وآله وسلّم عبادةٌ وأيُّ عبادَةٍ, والتعبير عن هذا الفرح إنما هو وسيلةٌ مُباحة , ولكلٍّ فيها وجهةٌ هو مُوليها.
على أنَّه قد ورد في السنة النبوية ما يدل على احتفال الصحابة الكرام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم مع إقراره لذلك وإذنه فيه، فعن بُرَيْدَةَ الأسلمي رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في بعض مغازيه، فلمَّا انصرف جاءت جاريةٌ سوداءُ فقالت : يا رسول الله، إنِّي كنت قد نذرت إنْ ردَّكَ الله سالماً أن أضربَ بينَ يَديْكَ بالدَفِّ وأتغنَّى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ’إن كنت نَذرت فاضربي، وإلا فَلا’، رواه الإمام أحمد والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيحٌ غريب. فإذَا كان الضربُ بالدفِّ إعلاناً للفرح بقدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من الغزو أمراً مشروعاً أقره سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وأمرَ بالوفاء بنذره، فَإنَّ إعلان الفَرَح بقدومه صلى الله عليه وآله وسلّم إلى الدنيا – بالدَفِّ أو غيره من مظاهر الفرح المباحة في نفسها – أكثرُ مشروعيةً وأعظمُ استحبابًا . فما بالكم بجزاء الرب لفرح المؤمنين لميلاده وسطوع نوره على الكون ! .

وقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بنفسه الشريفة الشكرَ لله تعالى على ميلاده الشريف، فقد صحَّ عنه أنه كان يصوم يوم الاثنين ويقول : ’ ذلك يومٌ ولدتُ فيه ’ رواه مسلم من حديث أبى قتادة رضي الله عنه. فهو شكر منه عليه الصلاة والسلام على منة الله تعالى عليه وعلى الأمة بذاته الشريفه.

فالأولى بالأمة الاحتفاء به صلى الله عليه وآله وسلّم بشكر الله على منته ومنحته المصطفويه بكل أنواع الشكر , ومنها الإطعام والمديح والاجتماع للذكر والصيام والقيام وغير ذلك، وكلُّ ماعون ينضح بما فيه . (…).

وقد كرَّمَ الله تعالى يومَ الولادة في كتابه وعلى لسان أنبياؤه فقال سبحانه : ’وسلام عليه يوم ولد’، مريم : 15 ’ وقال جل شأنه على لسان السيد المسيح عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم : ( والسلام على يوم ولدت ) ’ مريم : 33 ’ , وذلك أن يومَ الميلاد حصلت فيه نعمة الإيجاد، وهى سببٌ لحصول كل نعمه تنال الإنسان بعد ذلك، فكان تذكره والتذكير به باباً لشكر نعم الله تعالى على الناس.

ولا يَقدَحُ في هذه المشروعية ما قد يَحدثُ في بعض هذه المواسم من أمور مُحرمة، بل تقام هذه المناسبات مع إنكار ما قد يكتنفها من منكراتٍ، ويُنبه أصحابها إلى مخالفة هذه المنكرات للمقصد الأساسي الذي أقيمت من أجله هذه المناسبات الشريفة. والله سبحانه وتعالى أعلم.
أمانة الفتوى

دار الإفتاء المصرية.

تحقيق سيدي عمر. قرونوبل فرنسا. 20 جانفي 2013.

مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي.
حكم الاحتفال بالمولد النبوي

يجوز الاحتفال بالمولد

المولد النبوي لابن عاشور

المولد النبوي لابن عاشور 1- الحَمدُ للهِ الذي أطْلعَ للنَّاسِ في ظُلمَة الضَّلالَةِ بدرَ الهُدى،...

الصيام عند الشيخ الطاهر بن عاشور، رحمه الله.

الصِّيامُ عِبَادةٌ شُرِعَتْ لِمَقاصدَ ساميةٍ وحِكَمٍ عَالِيَةٍ، هي مِن قَبيلِ الحِكمَةِ العَمَليَّة لِريَاضَةِ النَّفْسِ عَلَى استذْلالِ المَصَاعِبِ، والتَّصَبُّرِ عَلى التَّخَلُّق بالأخْلَاق المَلَكيَّة. وقِوامُهُ الإمساكُ عَن الشَّهَوات المُلازِمَة لِما في الهَيْكَل الجِسْمَانيِّ مِنَ المَادَّة التي تَغينُ عَلى تَجَرُّدِ الرُّوح. فَالقَصْدُ مِنهُ إضعافُ القُوَى الماديَّةِ، لتَنبَثقَ من مَنافِذِهَا أشَعَّةُ النَّيِّر الرُّوحانيّ.

الرحلة الحجازية، رحلة الحجّ

نعتز اليوم بتقديم هذا الكلام النفيس الغالي الذي صاغه الشيخ سيدي عبد العزيز البوزيدي، وفيه من...