في يوم 14 جويلية 1934 وَرَدَ نَبَأ انتقال العارف الرباني سيدي أحمد العلاوي إلى الرفيق الأعلى.
وتروي أمّنَا الحاجة، زوجة سَيّدي محمد المدني، ما انتاب الشيخ يومَها من شدَّة الأحزان وغلبة الأشْجان. وفي أيام المأتم تلكَ، أهدى له أختام القرِآن وذَبَحَ الشاءَ وأطعم الفقراء. ومنذ ذلك التاريخ دَأبَ الشيخ على إهدائه أختامَ القرِآن كل رمضان وفاءً وَولاءً.
وفي تلك الايام الحزينة نَظَمَ هذه المَرْثِيَّةَ الرائعة التي تنبئ عن حُبّه لشيخه. وفيها تبدو شاعريّتُه المُرهَفَة وحَساسِيَتُه المفرطة. وفيها ذكرٌ لجملة من مَناقب سَيدي أحمد العلاوي وليًّا صالحًا وعارفًا مُرشِدًا.
مَا لَكَ يا قَلْبُ اليَــــــــــومَ فِي كَـــدَرٍ * دائِمًـــــا تُرَدِّدُ أيْنَ الـمَفَــــــــــــــرّ
قَـــــــــــد عَهِدنَا فيكَ عَقلاً ثابتًــــــــا * يَتَلَقَّــــــى الأمْرَ مِن غَيرِ ضَــــــرَر
فَإذا بِالحَيْـــــــــــــــــرَة تَمْلِكــــــــــــــــه * بالذي أنْشــاكَ قُلْ لي مَا الخَبَـر
إنْ تَقُل لا شَيءَ، قُلتُ لَكمُــــــــــــو * مَا لِهــذَا الجَوّ يَبدو مُكْفَهِـــــــــر
فِي ظــــــــــــــــــلامٍ واغْبِــــــــــرارٍ قَاتِم * فِــي رِداء الحُــزْن يَعلُــوه الضَّجَر
تَضِــــــــــــــق ذَرْعًا وخَبِّــــــــــــرْ إنَّنِي * ثَابتٌ عَزيمَتِـــــــــــــــي لاَ تَنْفَجِـر
زَفَرَ الفُؤادُ منــــــــــــــــــه زَفــــــــــــــــرَةً * كَأَنَّـــه مِن حَـــــــرِّها فَوقَ الجَمَر
جَلَّ خَطبٌ عَظُمَـــــــــــــت آثــــــارُه * حَتَّى اشْتَكَـى مِن ثِقَلِهَا أَهْل النَّظَر
وَأجابَ هَذه الدّنيــــــــــــــا فَنَــــــــــــا * وَهَبــاءٌ فِي هَــــــــــــواءٍ مُنْتَشِـــــــر
كلُّ مَن عَليهَا فَـــــــــــــانٍ زَائــــــــــلٌ * إلاَّ وَجـــــــهَ الله بَـــــــــاقٍ مُسْتَمِر
قَد أَفَلَت شَمسُ الهُدَى فِي عَصْـرنا * قَد أفَلَ النَّجْمُ المُضِـيءُ والقَمَـــر
وَظَلامُ الجَهْــــــــــــل زَادَ غَسَقًــــــــــا * وَكـــــــذَا زَيْغُ العُقُول قَد ظَهَــــــر
قُلتُ: قُل لي لاَ تَخف مِن نَصَبِـي * فَإنَّـــــكَ رَمَيتَنِــــي بِذا الشَّـــــــــــرَر
اشرَح الأمْرَ ولاَ تَكَتَّــــــم فَقَــــــــــــد * جَرَحْت كَبِـــــدي وَفُـــؤادِي انْتَحَر
وَهَالَنِـي مَا هَالَنِــــــــــــــــي لَكنِّــــــــه * كلُّ شَــــــيءٍ بِقضَـــــــــــاءٍ وقَـدَر
قُل لي قُل لي ما جَرى فِي وقتِنَــــــا * حَتَّى كــادَ العَـــــرش للأرْض يَخِر
أجابَنِي ولَكن ما استجـــــــــابَ لي * في غُموضٍ تَحتَـــــــه ضَـاع الخَبَر
قَد رُجَّتِ الأرْضُ بَــــــــدَا زِلزالُــــــها * حَتَّــــــــى كَادَت الجِبــــال تَنتَشِر
فَيا لَه مِن هَولِ يَـــــــومٍ قَد هَـــــوت * كَواكـــبُ الآفاقِ فيـــه تَنْتَشِـــــــــر
والكلُّ مِن هَذَا الُمصــــاب فَـــــازعٌ * لَو تَراه قُلتَ: الحَشــــر قَـد حَضَر
مَا رأيتُ القومَ سَكـــــــــــــرَى مِثلمَا * شَاهدتُهم في هذا اليَـوم الـمُنْكَدِر
أبْصارُهم شَاخِصَـــــــــةٌ خَـــــــاشِعَةٌ * لا تَنــــــزلُ إلاَّ بِدَمْــــعٍ مُنْهَمِــــــــــر
قُلتُ: صَرِّح إنَّ نَاري التَهبَـــــــــت * ونِيرانـــي فِــــي ضُلوعــــــــي تَسْتَعِر
غَيرَ أنِّي في اصْطِبارٍ صَابِـــــــــــــــرٍ * إنَّ الخــــطبَ قَد أرَاه مُحْتَقَـــــــــــر
لَكنَّك حَيَّرتَنِي فِــي الأمْــــــــــــر إذْ * هَيَّجَتَ لِـي مِن بَاطِنِي مَـا قَد سَتَر
بِالله لا تَكْتُم عَـلَيَّ واقْتَـــــــــــــــرِحْ * مَا شِئتَ مِن صَــــبْرٍ فَإنِّي أصْطَبِر
فَأجَاب القَلبُ: لَكِن بالــــــــــذي * حَيَّرَ العَقـــــلَ وخَاضَـــــــت الفِكَــر
إنَّ فِي الغَرب غُروبًـــــــا للضِّيَــــــــا * إنَّ فــــي الغَرْبِ خُسوفًــــــا للقَمَـــر
إنَّ في الغَرب مُصــــــابًا جَلَــــــــلاً * يُبقِي فـــي الدَّهْرِ تاريخًـــــا وعِبَــــر
وَمُستَغانــــــــــــم عَليهَـا ظِلَّــــــــــــةٌ * مِـــن الحِدَاد والسَّـــوادِ والكَـــــــدَر
وَرِداءُ الحــــــــــزن عَمَّ أُفْقَــــــــــــها * فَهَي تَبْكِي مِن دُمُـــــوعٍ كَالـمَطَـــر
قَد بَكَت قِدْمًا فَخَــــــرَّ صَرْحُـــــها * وانْتَشَـــــرَ البِناءُ فانْهارَ الحَجَــــــــــر
غَيرَ أنَّ اليَــــــــــومَ غَارَ مـــــــــــاؤُهَا * حَيـــــــثُ نَارُ الحُزْنِ شَيءٌ لا يَذَر
غَيــرَ أنَّ اليَومَ غَــــــــابَ قُطْبُـــــــها * لا يَــــراه بَعـــــدَ ذا أهلُ البَصَـــــــــر
قُطبُها العلاوي غَاب فـي الثَّـــــرى * غَيـــــــــــــرَ أنَّ رُوحَـــــه لا تَنْــــــدَثِر
آهٍ يـــــا قَلــــــــــبُ وآهٍ بَعـــــــــــدَ آهٍ * رَمَيتَنِـــــــــــي بِنَبْلَةٍ تَنْفي العُمُــــــــر
هَذه لا صبـــرَ فيهـــــــا أبـــــــــــــدًا * ولَيسَ لــي صبرٌ عَلى هَذا الضَّــــرَر
صَدمَة الإمــــــام أوْهَت جَلَـــــدِي * زَعزَعَــت أركْــــانَ قَلِبي الـمُنكَــــدِر
نَكْبَة الإســـلام هَــــــــذي يا أخي * يَشتَكِي الإسلامُ شَكـــوى من قُهَر
فَمن لَه بَـــــــعدَ الإمــــــــام ناصِـــرٌ * عَزّت الأنْصار في الوَقـــت العَـــسِر
يَا لله للإيــــــــــــمان والتُّقَــــــــــــى * ولِأهـــــــل الله أصحــــــــابِ العِبَــر
كَيف لا تَبكي الآمــــــاقُ دَمعَــــةً * مِثلَ حَرِّ الجَمْـــــر بَل هـــي أَحَـــــرّ
صمّ إن جَفّت دُموعي فَـدَمــــــــي * يَـجْري نَـــهْرا فَوقَ سَفْـــحٍ مُنْحَدر
قلْ لأهل الفضل: مَن يُرْشِدُكــــم * للمَعـــــــالي دَرجـــــــــــاتٍ تُعتَبَـــــر
قُل لأهــــل الله: غَابت قُـــــــــدْوَة * يَقتَــــــــفي وَراءهـــــــا أهـــــــلُ الأثَر
قُل لأهل الحـقِّ: مَن يُهديـكــــــم * مِن دَقيق الفَهــم عِلمًا كالــــــدُّرَر
سَائِلَ الشـرقَ وسائِل غَربَـــــــــــــــــهُ * واســأَل العُـــربَ والعَجَــــم واعْتَبِرْ
واسأل أهلَ الشَّام عَن إمامِهِــــــــم * واسأَلْ أهلَ اليَمَن تَلـــــقَ الخَبَـــــر
واسْأَل القُـدسَ الكَريـم بَعــــــــد ذَا * عَن إمامِ الخَيــــــر مُرشِدِ البَشَـــــــر
وقُل لَهم: مَن ذا الذي يَنصَحُكُـم * بَعد العلاوي في البوادي والحَضَر
وارْجِع إلى الرّيف وفـاسٍ وانْظـــــرُن * آثــــارَه بَيـــــنَ العِبَـــــــــاد وادَّكِـــــر
أنْوارُه كَالشَّمس لاَحـــت في العُلا * عَجيـب هَدْيٍ في البِلاد مُنْتَشــر
هَـــــذه هي الحيــــــــــاة في الـوَرَى * لَيْست الحيــاة حَقًّا فــي الصُّـــوَر
وحَيـــــــاة العُظمَـــــــاء بَينَنَــــــــــــــــا * تَتَجَلَّــــــى في الأفعـــــال والأثَــــــر
هَكذا العـلاوي يَفنَــــــــي جِسمُـــه * غَيـــرَ أنَّ الفعلَ يَبقـــــــــى مُدَّكَــــر
فَهو حَـــــــيٌّ بِحيــــاة أصبحــــــــت * عنــــد أهل العقل كلّهــــــــا عِبَـــر
يَستَفيـــــد العقــــلاء كلّمَــــــــــــــــــا * ذَكـــروه عَند كــــل مَن حَضَــــــر
فـــــي حَيـاة أو مَمــات مُرشِـــــــــــدٌ * يَنصـــــــح قلبًــــا سليمًــــا يَعتَبِــــر
قــــلْ لأهـــل الزّيغ: ذوقُـــــــــــوا ذلّـةً * واخسؤوا فيهـا ولا تَـــرموا الشَّـــرَر
وضُربـــــت عليكمــــو مَسكَنَـــــــــــةٌ * لا تقـولوا: الهَجـــرَ فالهجرُ انْتَحَر
إنَّ سيفَ الحقّ يَفري فـي العــــــدا * فَرْيَ ذي الفِقـار يَقصــــم الظَّهَــر
فَهو فــــي الغِمـد ولكنَّ حَـــــــــدَّه * مَا قَضــــى عَلى امــــريءٍ إلاّ بَتَر
لا تَقومـــوا فـــــي نَعيــــــــــــــق بينَنَـا * أو نَهيـق يَحـكي أصوات الحُمُر
أَسَـــدٌ مـــــــا زال في عَرينـــــــــــــــــه * يُخجلُ الذِّئـــابَ إنْ هــــــو زَأَرَ
يَنفى العِدا يَرعى الحمى يَقضي على * مَن قد طَغى فالله يَجزي مَن شَكر
جَزاكَ يا غَوثَ البـــــرايا رَبُّنَــــــــــــــــا * كَما جَـــزى الأبْرار نصَّاحُ البَشَــــر
ونَم هنيئًــا مُطمئنًّا نــــاعمًـــــــــــــــــــا * مِن بيـــــن حُورٍ ونَعيـــــــم مُدَّخَر
مُمَتَّعًــــا مِن نظــــرة يَعلمهـــــــــــــــــا * مَن شاهَد الأمرَ فَـــزاد في النَّظَر
يَا رب ارحـمِ العــــلاوي غَوثَنَــــــــــــا * بِجــاه طَــــه المصطفى خَيرِ مُضَر
صَلَّـــــى الله ما قالَ الــــــــــــــــــوَرى * كلُّ شَــــــيءٍ بقضـــــــــــاءٍ وقَدَرٍ