كان سَيّدي مُحمد المَدني، رَحِمَه اللهُ، رَجُلاً فاضِلاً، رَضِيَّ الخُلقِ، عَفُوًّا، يَصْفَحُ عَمَّن ظَلَمَه، يَتَرَفَّعُ عن الدَّنَايَا ولا يَهْتَمّ بصَغَائِر الأمور. وهذا نَموذَجٌ حيٌّ يُظهِر طريقَتَه في مخاطبة من آذاه، وتغليبَه الصفحَ والحوارَ بالحكمة. ونحنُ نَنْشر هذه الوثيقَةَ التاريخية لنفاسَتِها وحتَّى تكونَ لنا مثالا يُحْتَذَى في السّلوك إلى الوَاحِد الأحَدِ، جلَّ ثناؤُه.
والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدنَا، مُحَمَّدٍ أشْرَفِ العَالَمين.
هاتِه رسالةٌ، كُنتُ كَتَبْتها للأسْتاذ أحمد بنْ صَالِح المُكْني[[ ولد في المكنين بالساحل التونسي سنة 1926 هو سياسي ونقابي تونسي شَغَلَ عدة حقائب وزارية في فترة الستينات وانتخب أمينًا عاما للاتحاد العام التونسي للشغل (1954-1956). والراجح انَّ الرسالة كتبت في هذه الفترة. ولكنَّ الشيخ فضل بعد مشاورة العقلاء ألا يرسلها إلَيْه.]]، بسبَب ما
تَفَوَّهَ به في عِرْضنَا في مُحاضَرَةٍ ألقاها بسوسة ثم تَفاهَمْت مَع
العُقلاء فَقالوا: الإعْرَاضُ عَنه أوْلَى، ” فَاعْفوا واصْفَحوا [[ البقرة 109.]]” وإذا نَطَقَ السَّفيه فَلا تُجِبْه[[ هذه الصدر ينسبُ إلى الشافعي وبقية الأبيات:
إذا نَطَقَ السَّفيه فلا تُجِبْه = فَخَيرٌ من إجابَتِه السُّكوتُ
فإنْ كَلَّمتَه فَـرَّجتَ عَنـه = وإن خَلَّيتَه كـمَدًا يَمـوت]].
الحَمْدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى رَسولِ اللهِ.
أمَّا بَعْدُ،
1.فَمِن كَاتِبه العَبد الضعيفُ محمَّد المَدَنيّ، القُصَيْبيّ المديوني، إلَى المُحْتَرمِ الأستاذ أحمد بن صالح، المُكْني، رَئيس الخَدَمَةِ والشَغَّالِين أحَيِيكُمْ تَحيَّةً تُؤَدِّي حَقَّ الأخوَّة الإسلاميّة،
2.ثمَّ أقولُ لكم أيها الأخُ الزعيمُ: إنَّ حَضْرتكم قَد أَلقَيْتُم مُحاضَرَةً بِسوسَةَ، أَجدتَ فيها وأفدتَ حَسبَ مَا أخبرني الكثيرون من الحَاضرين مَعكم. بَارَكَ الله في أمثالكَ ! غيرَ أنَّهم أَخبروني أيضًا أنَّكَ لَم تَقدر عَلى إمْساكِ لِسانكَ الفَصيح حتَّى أَكلتَ لَحمَ إخْوانكَ المُؤمِنينَ. مِنهمْ كاتبُ هاته الرسالة إلَيكُم، الذي لاَ ذَنبَ لَه مَعَكَ إلاَّ إكرامُهُ لَكَ. فَكانَ جَزاؤُكَ لَه بِتَمزيق عِرْضِه بِجَميع الألْوان والأَشْكَال فِي جَمْعٍ حَافِلٍ من المُؤْمِنينَ.
3.بَاركَ اللهُ في أمْثالكَ أيها المُصلحُ. وقَد فَكَّرت فيمَا هو الحامِلُ لَكَ فَلم أجدْ لَه سبَبًا، فَقَرأت قَولَه تعالى : ” وإنْ تَعْفوا وتَصْفَحُوا وتَغْفِرُوا فَإنَّ اللهَ غَفورٌ رَحيمٌ [[البقرة 109.]]”. فَسَامَحَكَ اللهُ أيُّها المُصْلح وعَفا عَنكَ.
4.غَيرَ أنَّه لا يَفوتُنِي أنْ أَنْصَحَكَ بأنْ لاَ تَعودَ لِمِثل ذَلكَ في أعْرَاضِ إخوانِكَ المُؤمنينَ الذينَ يَظنَّونَ فيكَ الظنَّ الجَميلَ. هَذا مَا أقْدرُ أن أكْتُبَه لَكم وأجيبكم به. أمَّا بَذَاءَةُ اللّسان وتَمزيق الأعْرَاضِ، وغَيرُ ذلكَ مِنَ الرَّذائِل فَلا يَعْرفُه العُلَمَاءُ، إنَّما يَعرفُه مَن لاَ خَلاقَ لَه. حَفِظَنَا اللهُ وإيَّاكُم.