من الشَّطحاتِ الربّانيّة الفاخِرة التي تَغنَّى فيها الشيخ سيدي محمد المدني، رضي الله عنه، بالحضرة العليّة، تفيض هذه القصيدة النادرة (قلبي يُحَدِّثُني بأنّك مُتلفِي) وفيها يُفدّي مَحبوبه، الحقّ سبحانه وتعالى، بروحه الطاهرة. إنّها رقّة في العبارات وعمق في المعاني الباهرة وأنوارٌ في المشاهدات العالية الطّاهرة، قصيد عارضَ فيه سلطانَ العاشقين سيدي عمر بن الفارض… هكذا كان حال سيدي محمد المدنيّ، رَضيَ اللهُ عَنه، يَتَذوّق أعذبَ معاني الحبّ الصوفيّ -في أرقّ نَفحاتِه- ثمّ يَصوغُها شرابًا شرعيًّا سائغا لذةً للشاربين، فقدس الله سره إلى إلى يَوم الدّين.
قلـبي يُحَــدِّثُني بأنّــــــــــك مُتلفِي * فــــــــــلتُ مُنايَ في تَلافي فأتْلف
عجّـل به وهــــــــــــاك كُلّي فإنّني * روحـي فداك عــــــرفتَ أم لَم تَعرِف
لَم أقـــض حقّ هواكَ إنْ كنتُ الّذي * أرى سواكَ ظاهرًا أو مُخْـــــــــــــتَف
وما وَفَــــــــــــــيت بالـتّوحيد إذا أنا * لم أقض فيه أسًى ومثـلي مَن يَفي
ما لي سوى روحي وباذلُ نَفـــسه * يرجــــــــــــو وصالاً مِنكمو لا يَنتَفي
فَواصِلوني ومَن يَجــــــــــودُ بروحه * في حـبّ مَن يَهـــواه ليس بمسرف
فلئن رضـيت بها فقد أسعفـــــــتني * ونلت مرادي من سنـــــاك المشرّف
وإن أبيــت وما عطــــفت متّ أسى * يا خيبة المسعى إذا لم تـــــــسعف
يا مــانعي طيـــــــب المنام ومانحي * كل المرام إذا مـــــــــا شئت فشرّف
عجّـــل بوصل يشفي الفؤاد ومـــزّقن * ثوبَ السّقام به و وَجــــــدي المُتلَف
عطـفًا على رمقــــي وما أبقيتَ لي * بينَ البـرايا من الخيال المنتــــــــفي
كحّـل جــفوني بنظرة كي أشتفي * من جسمي المضـنى وقلبي المُدْنِف
فالوجـــد باق والوصــــــال مُماطِــلِي * والشّــــــوق نامٍ والحبيب لم يــعْطِف
ونــار حبّـي في الفؤاد تـــــــــسعّرت * والصّبــــر فانٍ واللّقـــــــــــــاء مُسَوَّف
لــــم أخلُ من حسدٍ عَـليكَ فلا تُضِع * صبري على لوم الـــــحَسود المُترَف
تقديم. ن. المدني، باريس، 9 ماي 2013.