ديوان أنيس المريد في التصوف والتوحيد، في ثنايا هذا الدّيوان الشعريّ نَفحاتُ رَجلٍ عالم عاملٍ، أراد أن يبثّها في قوالِب القريض وصيغ البيان. وليس الشأن في أساليب التعبير عن هذه النفحات ولا فيما تضمّنَته من الأفكار الفَرعيّة، وإنما في نَبرتها العامة وهي الإقرار بتوحيد الله كما يفهمه الخاصّة من أهل التصوف بما هو تَنزيهٌ مُطلقٌ، وإظهار لمدى التعلق بالمثال المحمّدي، هاديًا لآداب التوقّل في مَدارج الروح، فضلاً عن إرشاد سائر المؤمنين لفَضائل التزكية القلبيّة وأثمارها. وقد جال يَراع الشّيخ المَدنيّ في هذه الموضوعات وأجادَ فيما اجتَرَحَه من الصُّور والعبارات من أجل الإحاطَة بما استَشعَره، على مَرّ العقود، من عَميق العَواطف والأحْوال، وبما كابده من لحظات العشق والوَجد والمُعاناة. أصابَت عِبارتُه بعضَ تلك المَواجِد، وقَصُرت عن دَقيقِها. وكيفَ لِلغة الأدب ومَوازين الشعر أن تضبط هذا الدفق الغزير؟ ولذلك، اعتَذرَ الشيخ منشدًا:
لا لــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــومَ إن قُلنا * مـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا حَوى نِظام
صنَّف الشيخ محمد المدني في كافة فنون المعرفة ولمْ يَترك علما إلا وألَّف فيه إذ مكنه تكوينه الديني واللغوي المتين من تعاطي تفسير القرآن والحديث و إصدار الفتاوى، حسب المذهب المالكي، إلى جانب الشعر والرسائل والحكم الصوفية. امتاز أسلوبه في التفسير بالوضوح والسلاسة إلى جانب الجمع بين المعاني الظاهرة والمعاني الباطنة وأهمُّ أعماله:
مؤلفات الشيخ محمد المدني في القرآن :
المعرفة الواضحة في تفسير سورة الفاتحة، 1921
الروضة الجامعة في تفسير سورة الواقعة، 1929
رسالة النور (في تفسير آية الله نور السماوات)، 1949
الأولى: إذا نسي الصّائمُ، فَفَعَلَ شيئًا يناقضُ الصّيامَ، كَالأكل والشُّرْب.
الثانية: إذا أكْرِهَ الصّائم على فعل ما يناقضُ الصّيامَ أيضًا.
الثالثة: المرأة الَموطوءة وهي نائمةٌ، يجب عليها القضاء فقط، وناكِحُها عمدًا يَجب عليه القضاء والكفّارة.
الرابعة: مَن شكَّ في طلوع الفَجر، فَأكلَ وهو شَاكّ
الخامسة: مَن شكَّ في غروب الشمس، فَأكلَ وهو شاكّ أيضا.
السّادسة: من أفطر لتأويلٍ قريبٍ كمن أفطر متعمّدًا بعد أن أفطر ناسيًا، ظانًّا أنّه لا يجب عليه التّمادي على الصّيام، وكَمَن انقطع عنها الدّم قبل الفجر وَلَم تَغتَسل، فَظَنَّت بطلانَ صيامها فَأفطرت. وكذلكَ من أصبحَ جُنُبًا فظنَّ فسادَ صَومه بذلكَ، فَأصبحَ مُفطرًا، وكذلك الرّاعي إذا خَرَجَ لرعي غَنَمه وانفصلَ عَن البَلد أقلَّ من مسافة الفطر، فَظنَّ جوازَ الفطر له فأفطَر، …فَفي جميع ذالك يجب القضاء فقط.
السابعة: إذا وصل شيء للمعدة من غير الفَم، كالعَين والأذن والأنف والحُقْنة في الدُّبر.
الثامنة: من نامَ جَميعَ نهاره وأتمّه نائمًا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، أو يَوميْن أو أيامًا ولم يُبَيِّتْ الصيامَ، فَإنْ بَيَّتَه فلا قَضاءَ عليه لأنه لو نُبّهَ لَتَنَبَّه، فهو في حُكم المُستَيقظ.
التاسعة: مَن ازدَردَ شيئًا من قَيْئه غَلَبَةً أي: رَجَعَ منه شيئًا غَلبةً عَليه.
العاشرة: مَن رجَّع شيئًا من المَضمَضة غلبةً عليه.
الحادية عشرة: أشار لها بالبيت الأخير وهي أنَّ مَن جَهل حِرْمَة الجِماع، ولم يَعلم أنّه حرام في الصّيام فجامَع، كَحَديث عهدٍ بالإسلام، فَإنّه يُعذَر بجهله. وعَلَيه أن يتوبَ لله، ويَقضيَ يَومَه فقط، كالمَسائل المتقدّمة كلّها وليس عليه في جميع ذلك كفّارةٌ “تخفيفٌ من ربّكم ورحمة”.
كتبه العبد الضّعيف محمّد المدني العلاوي، شارح النّظم، أذاقه الله حلاوةَ العلم آمين بحرمة سيّد المرسلين صلّى الله وسلّم علي وعلى آله وأصحابه أجمعين والحمد لله رب العالمين. الحمد لله الواحد الأحد الّذي ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ )3( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ )4( ﴾ والصّلاة والسّلام على منبع الإيمان، ومصدر الإسلام والإحسان، أكرم الأوّلين والآخرين سيّدنا محمّد القائل (من أحبّه الله فقّهه في الدّين) وعلى خلفائه الرّاشدين وآله وأصحابه أجمعين. أمّا بعد فيقول المفتقر إلى مولاه الغنيّ، عبده محمّد بن خليفة ابن الحاج عمر القصيبي المديّوني منشأ وبلدًا، العلاوي طريقة وسندا، أنّي لمّا منّ الله عليّ بمطالعة منظومة أستاذنا الأعظم، المشهور بتلقين الإسم الأعظم، البدر الضَّاوي، مَولانا وسيّدنا أحمد العلاوي المستغانمي، أطال الله بَقاه ومتّعنا والمسلمين برضاه، المسمّاة «بالرّسالة العلاويّة في البعض من المسائل الشّرعيّة»، أَلْفَيْتُهَا روضَةَ الأزهار، أو نقول: بستانَ الثِّمار، تأخذ بمجامع البصائر والأبصار، لما اشتملت عليه من التّحقيقات والأسْرَار، جمعتْ أركانَ الدّين: الإيمانَ والإسلامَ والإحسان. وحَوت أصولَه بغاية التّحقيق والإتْقان، سَهلة التّعبير، ثابتة التَّحرير، قلّ أن يكون لها في المُؤلفات نظير.
…\… وآيــة التّنـزيـه فـــي كتــابـنـــــا * عـدل لما خدمــته نلـت المنى ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ فهو المنفرد بسائر الأفعال، لا يُشارِكه أحدٌ من المخلوقات في اختراع أيّ شيءٍ كان. وكيف يشارك الفعل الفاعل في الإحداث، الفعل صنعة والفاعل صانع، والصَّانع منزَّهٌ عمّا في الصنعة ومخالف لها، «جَلَّ قدرًا سبحانه عمّا صنع»، فَهو، تعالى، مُنَزّه عن الزّوجة والوَلَد والوالد والمُعين، ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾ ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾
وقوله : 104. العَـدم الحـدوث ثـمّ الافـتـقار * الفناء والتّعـدّد وصــف البَشَر 105. المَوت والكراهــة عَجـز صَمـم * والجهل والعمى حاشــاه والبكم بيان للقسم الثّاني من الصفات وهو ما يستحيل أن يوصف به الحقُّ، جلّ وعَلا، وذلك ضِدَّ الصّفات الواجبة، وهي العدم وهو ضدَّ الوجود، والحدوث ضدّ القدم، والفناء ضدّ الــبقاء، والافتقار ضدّ الغنى، والتّعدّد ضدَّ الوحدانيّة، والموت ضدّ الحياة، والكراهة ضـدّ الإرادة، والعـجز ضـدّ القدرة، والصمـم ضـدّ السـمع، والجـهلُ ضـدَّ العـلم، والعـمى ضدّ البَصَر، والبُكـم ضدَّ الكلام. وبَقـيت صفة المماثـلة وهـي ضدّ المخالفـة للحوادث، أشار لها بقوله، :…
عقد الشّيخُ هذا الكتاب وختم به جميع الأبواب ليكون كتابه مشتملا على جميع أركان الدّين الإيمان والإسلام والإحسان، فتكلّم في أوّله على الإيمان وجميع مـا يجب علـى المكلّف فـي حقّ الله وحـقّ رسله عليهم الصّلاة والسّلام، ثـمّ تكلّم فـي وسطه على الصّلاة والزّكاة وغيرهما من قواعد الإسلام، ثمّ شرع الآن في الكلام على الإحسان لأنّه الثمرة، وبالنسبة لما تقدّم هو السّنام.
ولمّا كان الإحسان هو حضور القلب مع الحقّ وخلوّه من ظلمة الخلق عبّروا عنـه بالتّصوّف لما فيـه من صفاء السّريرة ومراعـاة الحـقّ فـي كلّ كبيرة وصغيرة. فالإحسـان والتّصـوّف متـرادفـان في الحقـيقـة ولا تُـمْكِـنُ معرفـتـهما وذوقهـما إلاّ بصُحـبة أهـل الطّـريـقـة.
والعـارف بغايـة التّصوّف ونهايته هـو العارف بـالله عـلى التّحقيـق، الشّـارب من عـين التّوحيد، المستغرق فـي بحار العظمة والتّفريد. فهـو العارف بالله ومـن سواه عالم بأحكام الله، وهـذا هـو الفرق بيـن العالـم والعارف في الاصطلاح.
ولمّا كان الأستاذ أكبر العارفين وإمام الواصلين قال :
وإن أردت نسبـــــة للعارفـــين ** فسأريك الطريقة بـعد حـيـن ذكــر التّصـوّف يحســن للتّنبيـه ** أذكـره ختامــا للرّغبـة فـيــه
يعني إذا أردت أيّها الإنسان أن تنسب للعارفين حتّى تصير من أهل الله الكاملين، فألـق سمعك، وفرّغ فؤادك، ووجّه إليّ جمعك، فإنّي سأريك الطّريقة، وأسقيك مياه الحـقـيقـة. فـبمـطالعة هـذا الكـتاب يتـّضح لك السّبـيل، وبصحبة مـؤلّفه تشرب من كؤوس السّلسبيل. وأخبر في البيت الثّاني، أنّ ذكر التّصوّف في كتابه، أو نقول في كلّ الكتب يحسن لتنبيه الغافلين عليه ليتيقّظوا ويأخذوا في التّوجّه إليه. وأنّه ذكـره في الخـتام لوقوع الرّغبة فيه لأنّ الأمور بخواتمها. فإذا علم الإنسان أنّ العبرة بالخواتم، وأنّ أفضل الأشياء نهايتها وغايتها لأنّها المقصود رغب فيها. أو نقول المعنى: أذكر التّصوّف في آخر الكتاب ولا أخليه منه لرغبة الرّجال الكمّل فيه، وكيف لا والحال أنّ العلماء العاملين يتسابقون إليه، ومقبلون بكلّيتهم عليه، حتّى أنّهم يرون أنفسهم كانوا مقصّرين قبل الانتساب إليه. وقد حكي عن بعضهم أنّه قال بعد التمسّك بالطّريق: كنّا ضيّعنا أيّامنا في البطالة، فقيل له: ألم تكن بـذلك حـجّة الإسـلام؟ فـقال: دعـوني مـن التّرّهـات فإنّ الله قـد ينـصر هـذا الدّين بالرّجل الفـاجر. وهـكذا كلّهم للتّصوّف تتوجّه همّتهم، وتتقوّى رغبتهم. ثمّ قال الشّيخ :
. فعلـم القـوم يؤخذ مـن التّنزيل ** والعارفون بالحقيقـة قـلـيـل . ولا تخلو الأعصار من وجودهم ** بـقيّـــة الله ليُـهتـدى بـهـم . فهم القوم لا يشـقى جليـسهـم ** فكـيف حـال من تـمسّك بـهـم
أشار بالشّطر الأوّل من البيت الأوّل، إلى استمداد علم القوم الّذي هو علم التّصوّف، فأخبر أنّه مأخوذ أي مستمدّ من التّنزيل أي القرآن العظيم أي ومن حديث النّبي عليه أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم.
وأمّا أخذه بمعنى تلقّيه فإنّه تتدفّق به أنهار قلوب العارفين مـن بحار آيـات الكتاب المستبين، فلا بدّ من أخذه من الأساتذة، لأنّ العلم لا يؤخذ إلاّ من أفواه الرّجال.
نعم، إنَّ العارفين بهذا الفنِّ العظيم، أهل الذّوق السّليم قليلونَ، ولذلك قـال: « والعـارِفون بالحَقـيقَة قليـلٌ »، أي: والعارفون بـعلـم الحقـيـقـة الّذي هـو علم التّصوّف، أو العَارفونَ، علـى التّـحقيق، قليلونَ، أي: في كُلِّ زَمانٍ ومَكان. فَالمُحقّونَ قليلونَ، والمُدَّعونَ كثيرونَ. ولذلكَ قالَ أبو مَدين التلمساني :
واعلَـمْ بِـأنَّ طريـَق القَــوم دارسة ** وحـالُ مَن يَدّعـيها اليوم كيف تـرى