اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُبَرَّإِ مِنَ الدَّعةِ وَالْكَسَلِ وَالْفَرَاغِ , وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَاسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ مَشْرَبًا رَوِيًّا طَيِّبَ المَْسَاغِ.
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الضُّحَى : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى – صَدَقَ اللهُ الْعَظِيمِ.
َزَلَتْ سُورَةُ الضُّحَى عَلَى قَلْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَامِلَةً لهُ أَجْمَلَ البُشْرَى مُلْقِيَةً فِي نَفْسِهِ الطُّمَأْنِينَةَ مُعَدِّدَةً مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْهِ , وَكأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْكَ بِالخْيَرِ الْكَثِيرِ لَمْ يَكُنْ لِيَتْرُكَكَ وَلاَ يَنْسَاكَ بَعْدَ أَنْ هَيَّأَكَ لِحَمْلِ أَمَانَتِهِ وَأَعَدَّكَ لِلإْضْطِلاَعِ ِبأَعْبَاءِ رِسَالَتِهِ فَلاَ تحَْزَنْ عَلَى مَا كَانَ مِنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ عَنْكَ وَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهَا فَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لِتَثْبِيتِ قَلْبِكَ وَتَقْوِيَةِ نَفْسِكَ عَلىَ إِحْتِمَالِ مَشَاقِّهَا.
وَالآيَةُ المَقْصُودَةُ هِيَ :” وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ” وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الآية فقيلَ هو عِدَةٌ كَرِيمَةٌ شَامِلَةٌ لِمَا أَعْطَاهُ اللهُ عزَّ وَجَلَّ فِي الدُّنْيَا مِنْ كَمَالِ النَّفْسِ وَعُلُوِّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرينَ وَظُهُورِ الأَمْرِ وَإِعْلاَءِ الدِّينِ بِالفُتُوحِ الْوَاقِعَةِ فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي أَيَّامِ خُلفَائِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُلُوكِ الإِسْلاَمِيَّةِ وفُشُوُّ الدَّعْوَة إِلىَ اللهِ فِي مَشَارِقِ الأرْضِ وَمَغَارِبِهَا . وَقِيلَ عِدَةٌ بِمَا أَعْطَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَمْرِ الدُّنْيَا مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِ , وَالمْشْهُورُ عَلَى أنَّهُ عِدَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ , رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ ِهيَ الشَّفَاعَةُ وَرُوِيَ نَحْوَهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ رَضِيَ اللهُ تَعَالىَ عَنْهُمْ .
وَجَاءَ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قاَلَ أُرِيَ النَّبِىءُ صَلَّى اللهُ عَليَهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ مَفْتُوحٌ عَلَى أُمَّتِهِ فَسُرَّ بِذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللهُ عِزَّ وَجَلَّ وَالضُّحَى إِلَى قَوْلِهِ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى . فَأَعْطَاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَلْفَ قَصْرٍ فِي الجَْنَّةِ تُرَابُهَا الْمِسْكُ فِي كُلِّ قَصْرٍ مَا يَنْبَغِي لَهُ مِنَ الأَزْوَاجِ وَالْخَدَمِ وَعَنْهُ قَالَ رَضِيَ مُحَمَّدٌ أَلاَّ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ النَّارَ , وَقاَلَ السُّدِي وَقِيلَ هِيَ الشَّفَاعَةُ فِي جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ. وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ, قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشفِّعُنِي اللهُ فِي أُمَّتِي حَتَّى يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ لِي رَضِيتَ يَا مُحَمَّدٌ؟ فَأَقُولُ يَا رَبِّ رَضِيتُ , وَجَاءَ فِي صَحؤيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرُو بنُ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِىءَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلاَ قَوْلَ اللهِ فِي إِبْرَاهِيمَ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّـهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّـكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . وَقَوْلَ عِيسَى إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ . فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ أُمَّتِي, أُمَّتِي وَبَكَى فَقَالَ اللهُ تَعَالىَ لِجِبْرِيلٍ إِذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكٍيكَ فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِىءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسَأَلَهُ فَأَخْبَرََهُ فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِجِبْرِيلٍ إِذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ لَهُ إِنَّ اللهَ يَقُولُ لَكَ إِنَّا سنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ.
وَقَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٍّ لأَهْلِ الْعِرِاقَ إِنَّكُمْ تَقُولُونَ إِنَّ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى : قُلْ يَاعِبَادِيَ الذِينَ أَسْرَفُوا علَى عَلَى أنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ . قَالُوا إِنَّا نَقُولُ ذَلِكَ . قَالَ وَلَكِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ نَقُولُ إِنَّ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ قَوْلَهُ تَعَالَى. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى.
وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآية قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذًا لاَ أَرْضَى وَوَاحِدٌ مِنْ أُمَّتِي فِي النَّارِ . وَجَاءَ فِي صَفْوَةِ التَّفَاسِيرِ فِي شَأْنِ الآيةِ الْكَرِيمَةِ ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) أَيْ سَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْكَرِامَةِ وَالشَّفَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إِلَى أَنْ تَرْضَى . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ الشَّفَاعَةَ فِي أُمَّتِهِ حَتَّى يَرْضَى . وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ أَنَّ النَّبِىءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَةَ شَفَاعَتِي لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ, أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ .
قَالَ الْخَازِنُ وَالأَوْلَى حَمْلُ الآيةِ عَلَى ظاهِرِهَا لِيَشْمَلَ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالآخِرَة معًا , فَقَدْ أَعْطَاهُ الله تَعَالَى فِي الدُّنْيَا النَّصْرَ وَالظَّفر عَلَى الأَعْدَاءِ وَكَثْرَةِ الأَتْبَاعِ وَالفُتُوحِ وَأَعْلَى دِينَهُ وَجَعَلَ أُمَّتَهُ خَيْرَ الأُمَمِ وَأَعْطَاهُ فِي الآخِرَةِ الشَّفَاعَةَ العُظْمَى وَالمقَامَ المَحْمُودَ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ .
وَجَاءَ فِي كِتَابِ نُزْهَةِ المَجَالِسِ قَالَ العَلاَئِي قال النَّبِىءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم سألت ربي ليلة المعراج مسألة وددت أني لم أسأله عنها . قلت ياربّ أعطيت آدم الجنة , قال أعطيته الجنة ثم عزلته عنها , وأعطيتك وأمتك الجنة ولا أعزلكما عنها , قلت أعطيت لنوح السفينة , قال جعلت لك ولأمتك الأرض مسجدا وطهورا , قلت صيرت النار بردا وسلاما على ابراهيم , قال كذلك أجعلها على أمتك , قلت أعطيت إسماعيل زمزم , قال أعطيتك الكوثر , قلت جعلت له الفداء, قال جعلت فداء أمتك من النار اليهود والنصارى , قلت كلمت موسى على جبل الطور ؟ قال كلمتك على بساط النور, قلت أعطيت المائدة لعيسى ؟ قال جعلت لك مائدة الكرامة يوم القيامة , قلبت أعطيت داود الزّبور ؟ قال أعطيتك سورة الانعام , قلت نجيت يونس من ظلمات ثلاث ؟ قال كذلك أنجي أمتك من ظلمة القبر وظلمة القيامة وظلمة الصراط. وجاء في كتاب جواهر البحار . قال سيدي عبد العزيز الدّبّاغ رضي الله عنه لو عاش سيدنا جبريل مائة ألف عام إلى مائة ألف عام إلى ما لا نهاية له ما أدرك ربُعًا من معرفة النبىء صلى الله عليه وسلم ولا من علمه بربه تعالى , وكيف يكون سيدنا جبريل أعلم وهو إنما خلق من نور النبىء صلى الله عليه وسلم , فهو وجميع الملائكة بعض نوره صلى الله عليه وسلم وجميعهم وجميع المخلوقات يستمدون المعرفة منه صلى الله عليه وسلم , وقد كان الحبيب صلى الله عليه وسلم مع حبيبه عز وجل حيث لا جبريل ولا غيره.
وأكرم الله سبحانه وتعالى حبيبنا الأعظم صلى الله عليه وسلم بأنه أول من تنشق عنه الأرض , وأول من يفيق من الصعقة وبأنه يحشر في سبعين ألف ملك , ويحشر على البراق , ويؤذّن باسمه في الموقف وبأنه يكسى في الموقف حلّتين , أعظم الحلل من الجنة ومقامه عن يمين العرش , ومن جملة ما أرضى جل علاه رسوله العظيم صلى الله عليه وسلم أن أعطاه المقام المحمود وأن بيده لواء الحمد وبأن آدم فمن دُونَهُ تحت لوائه وبأنه إمام النّبيئين يومئذ وخطيبهم وقائدهم وبأنه أول شافع وأول مشفع وأول من ينظر إلى الله تعالى وأول من يؤمر له بالسجود وأول من يرفع رأسه ولا يطلب منه شهيد على التبليغ -ويطلب من سائر الأنبياء- وبالشفاعة العظمى في فصل القضاء وبالشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب وبالشفاعة فيمن استحق النار من الموحدين أن لا يدخلها . وبالشفاعة في رفع درجات ناس في الجنة , وبالشفاعة فيمن خلد من الكفار أن يخفف عنهم , وبالشفاعة في أطفال المشركين أ، لا يعذبوا.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , إنما حر جهنم على أمتي كحر الحمام .
وأعز الله سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأن قبره الشريف أفضل من الكعبة ومن العرش , أخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل نقب منها ملك لا يدخلها الطاعون ولا الدجال , قال العلماء الخلاف في التفضيل بين مكة والمدينة في غير قبره صلى الله عليه وسلم أما هو فأفضل البقاع بالإجماع بل وأفضل من الكعبة بل ذكر ابن عقيل الحنبلي أنه أفضل من العرش.
وتفضل الله تعالى على أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حيث أخرج الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمّتي أمّة مرحومة تدخل قبورها بذنوبها وتخرج من قبورها لا ذنوب عليها تُمَحَّصُ عنها باستغفار المؤمنين لها.
وأختم هذه العجالة بذكر معجزة المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التّسليم حيث أخرج أبو نُعيم عن عبّاد بن عبد الصّمد قال أتينا أنس بن مالك فقال ياجارية هلُمي المنديل فأتت بمنديل وسِخٍ فقال أنيري التنور فأوقدته فأمر بالمنديل فطرح فيه فخرج أبيض كأنه اللبن فقلنا ما هذا ؟ قال هذا منديل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح به وجهه فإذا اتسخ صنعنا به هكذا لأن النار لا تأكل شيئا مرّ على وجوه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
وهكذا نعلم أن الله سبحانه وتعالى أعزّ رسوله العظيم , وأغدق عليه وابل التكريم فلم يبقى لنا إلاّ أن نكثر عليه من الصلاة والتسليم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المراجع : الخصائص الكبرى , ج 2 ص 80 ,217,218,203,227,229
تفسير المراغي ج30 ص183
تفسير القرطبي ج30 ص35
تفسير الألوسي ج30 ص160
صفوة التفاسير ج30 ص573
نزهة المجالس ص411
جواهر البحار ج2 ص286