1.ومِن أسمائِه الشريفة، صلَّى الله عليه وسلم، وَصول، (بِفَتح الواو)، وهذا الاسمُ صِيغَةُ مبالغةٍ مِنَ الصِّلَة والحفاظ على العهود والبرّ بذوي القربى، فقد كان رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، مِن أوْصَل الناس للرَّحم الطينية والرحم الدينية، أي لِرَحم القرابة ولِرَحم الإيمان، وأقوَمِهم بالوفاء وحُسْن العَهد.
2.ومِن بَين ما أُثرَ عَنه، صلى الله عليه وسلم، في صِلة المؤمنين والمؤمنات، أنه كانَ يَصل صديقات أم المؤمنين، السيدة خديجة، رَضي الله عنها، بَعدَ مَوتها، ويُهدي إليهن الهَدايا، ويُحسن السؤال عنهن، فقد كَانَ، عليه الصلاة والسلام، إذا أتيَ بهدية قال: اذْهَبوا بها إلى بَيت فلانة فإنَّها كانت صديقةً لخديجة، أو إنَّها كانت تُحِبُّ خَديجَةَ، وَيَذبح الشاةَ فيُهديها إلى خَلائل أي: صَديقات خَديجة، صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله.
3.ولما جيءَ بالشيماء، أختِه من الرضاع، في سَبَايا هوازنَ، وتَعَرَّضت له، بَسَطَ لها رداءه وقال: إن أحْبَبْتِ أقمتِ عِندي مُكَرَّمة مُحَبَّبَةً؟ أو مَتَّعتكِ ورَجَعت إلَى قومِك؟ فَاختارت قومَهَا، فَمَتَّعَها ورَجَعت الى أهلها.
4.والشيماء هي أخت الرسول من الرضاعة، وتُدعى: أمُّ النبيء، وقد كانت، في بيت السيدة حليمة السعدية، تُرَقِّص الرسول بِيَديْها وتقول:
5.هذا أخ لي لم تلده أمي * وليس من نسل أبي وعمي
فانمه اللهم فيما تنمي
وتقول حسبما رواه كتاب الإصابة ج 4 ص 344
يا رب أبق لَنَا محمدًا * حتـــــــى أراه يافعًا وأمردَا
ثم أراه سيدا مسودًا * واكْبِتْ أعاديه معُا والحُسَّدا
واعطيه عزا يدوم أبدا
وكان أبو عروة الازدي اذا أنشد هذا يقول: مَا أحسنَ ما أجابَ الله دعاءه .
6.ومن مظاهر صلته بالأرحام وذوي القربى، ما حصل حين أقبلت السيدة حليمة السعدية، أمه من الرضاعة، فَأكرمها وأعزها وأمر لها بهدية، وكانت ترقصه وهو عندها زمن الرضاع وتقول:
7.يا رب اذا أعطيته فابقه * وأعله إلى العلا وأرقه
وأدحض أباطيل العدى بحقه
8.ولم ينس رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمَّ أيْمَنَ، بَرَكة الحبشية، أمه من الرضاع، فقد كانَ يَزورها ويكرمها ويبرها مبرة الأم، ويكثر زيارتَها، وكان عندها كالوَلَد، وأحيانًا كانت تَصخب عليه، وهو صغير، وتَضجَر، فعلَ الوالدة بولدها.
9.وهو، صَلَّى الله عليه وسلم، وَصولٌ لِسائِر أبْنائه المُؤمنين، وأفرادِ أمَّتِه مِن المُحَمَّدِيين، مُمِدٌّ لهم من بَرَكَاتِ هَدْيِهِ الذي لا يَنْقَطِعُ أبدَ الآبدين، مُفيضٌ عَلَيهم مِن تَوجيهاتِه النورانية التي تنبعُ من نَهرهِ المَعينِ، فَوَصَلَ الله قلبَهُ بمسرات المشاهدة في كلِّ حين، وأقامهُ على بِساط الأنس في مخاطبة رَبِّ العالمين.
الشيخ محمد المنور المدني
19 فيفري 2017