سَمِعتُ حَمزَةَ بنَ يوسفَ السَّهميَّ يَقولُ: سمعتُ أبَا الفَتح نَصْرَ بنَ أَحمدَ بنَ عَبدِ المَلِك يَقول: سَمعتُ عبدَ الرَّحمَن بنَ أحمَدَ يقول: سَمعتُ أَبِي يَقُولُ:
جَاءَت امرَأَةٌ إلَى بَقيِّ بنِ مَخْلَدٍ، فَقَالَت: إنَّ ابْنِي قَد أَسَرَهُ الرُّومُ، ولاَ أَقدرُ عَلَى مَالٍ، أكثَرَ مِنْ دُوَيرَةٍ، ولاَ أَقدرُ عَلَى بَيْعِهَا، فَلَو أَشرْتَ إلى مَن يَفْدِيهِ بِشَيءٍ فَإنَّهُ لَيسَ لي لَيلٌ ولاَ نَهَارٌ، ولاَ نَومٌ ولا قَرَارٌ!
فَقَال لها: نَعَم، انْصَرِفي حَتَّى أنْظُرَ في أَمْرِهِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
قَال: فَأطرق الشَّيخُ وَحَرَّكَ شَفَتَيْه.
قَالَ: فَلَبثنَا مُدَّةً، فَجَاءَت المَرأةُ وَمَعَها ابنُهَا، وَأَخَذَت تَدعو لَه وتَقول
– قَد رَجعَ سالماً، ولَه حديثٌ يُحَدِّثُكَ به.
فَقال الشابُّ: كنتُ في يَدَيْ بَعض مُلوكِ الرُّوم مَعَ جَمَاعَةٍ مِن الأَسَارَى، وكان لَه إنسانٌ يَستَخدمنَا كلَّ يَومٍ. فَكَانَ يُخْرِجنَا إلَى الصَّحرَاء للخِدمَةِ، ثمَّ يَرُدُّنَا وَعَلَينَا قُيُودُنَا. فَبَيْنَما نَحنُ نَجيء من العَمَل بَعد المَغرِبِ مَعَ صَاحِبِه الذِي كَانَ يَحفَظُنَا، انفتَحَ القَيدُ مِن رِجْلِي وَوَقَعَ عَلَى الأَرضِ.
وَوَصَفَ اليومَ والسَّاعَةَ، فَوافَقَ الوَقَتَ الذي جَاءَت فيه المَرأةُ، وَدَعَا الشيخُ.
قَالَ: فنهض إلَيَّ الذي كَانَ يَحفَظُنِي وَصَاحَ عَلَيَّ وَقَال لي:
– كَسَرتَ القَيدَ؟
قلت: لا، إنَّهُ سَقَطَ مِن رِجْلِي.
قَال: فَتَحَيَّرَ. وأحضَرَ أَصحَابَه، وأحضروا الحدَّادَ، وَقَيَّدُونِي.. فَلَمّا مَشيتُ خَطَوَاتٍ سَقَطَ القَيدُ مِنْ رِجلِي، فَتَحَيَّرُوا في أمري! فَدَعوا رُهْبَانَهُم، فَقَالوا لِي:
– أَلَكَ وَالِدَةٌ؟
– قلت: نَعَمْ.
فَقَالُوا: وَافَقَ دُعَاؤُهَا الإجَابَةَ. وقَد أَطلقَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يُمكِنُنَا تَقييدُكَ.
فَزوَّدُونِي، وأصحبُوني بِمَنْ أَوصَلَنِي إلى نَاحية المُسلِمينَ.
الامامُ القشيري، الرسالة القشيرية، 299-300.