بسم الله الرحمن الرحيم
مكانة الشيخ في الطريق إلى الله، عزَّ وجلَّ.
1. الشَّيخُ الكاملُ هو وارِثٌ للمَقام المُحَمَّديِّ، وإجْلالُه من إجلالِ مُوَرِّثِه، المُصطفى صلواتُ الله وسلامه عليه، الذي أثْبَتَه في رُتبة التذكير والإرشادِ إلَى رَبِّ العالَمينَ.
2. فآكَدُ واجِباتِ المريد مع شَيخه تَعظيمُه بِباطِنِه، مُعْتَقِدًا فيه تَمامَ الأهليّة لوراثة المَقام المُحَمَّديِّ، ولِنِيابَتِه في تَبليغ الأسرار الخفيّة والتحلي بالأخلاق الرَّضيَّة، المُوصلة إلى رَبِّ البَريّة، فاعتقاد كمال الأهلية للدلالة على اللهِ، شَرطٌ في الوُصول، ذلكَ أنَّ تَمامَ الاقتداء وجَمال الاتِّباع لا يَتَحَقَّقانِ إلاَّ إذَا صَفَتِ بَواطِنِ المُريدينَ وعاشَت مَع المشائخ الواصلين، كَما عاشَ الصَّحابَة مَع سَيِّد المرسلين.
3. فالهِمَمُ العالية تَرتقي بالاقتداء بالكامِلينَ منَ الرِّجال، المُنيبينَ الى الله، المُواصلين لِسيرَةِ المُصطَفَى، صَلَّى الله عليه وسلم، الحيِّ بِإحْياءِ وَارِثِيهِ لِسُنَّتِه الطَّاهرة. ومَع ذلكَ لا يُطالَبُ المُريدُ باعتِقادِ العِصْمَة في شَيْخِهِ، أو تقديسه ، إذِ العِصْمَةُ من خَصائِص سَيِّد العارفِينَ، صَلَّى الله عليه وسلم، المحفوظ بالله، المُتَوَجِّه بالكلّيَة إلَيهِ.
4. أمَّا وَرَثَتُه من العلماء ومَشائخ الطريق، فَمُجْتَهدونَ في طُرُقِ التَّربيَة، باحثونَ عَن أقْوَم المَسالك لإيصال المُريدينَ، وقد تَعتَري اجتهاداتهم هَفَواتٌ أو تَكونُ خَلافَ الأوْلَى.
5. ولذلكَ تَوَجَّبَت على المريد طاعَةُ الشَّيخِ أو العالِم فيما يَأمرُهُ بِه مِن تَوجيهاتِ السَّيْرِ إلى الله. فهُما أعْلَمُ منه بِقَواطِع الطَّريق وصوارفه، بَعد أن أتْقَنَ وَعْرَها وَسَهْلَها وتمرَّسَ بِمضائِقِها. وقَد يَبدو للسائر أنَّ بَعضَ اختياراتِ الشَّيخِ غيرُ مُصيبَةٍ، فَعَلَيْهِ أنْ يَصبرَ نَفْسَه عَليهَا ولا يَقَعَ :” فِي عِرْضِ وَليٍّ حَتَّى لا يَبتَليه الله بِمَوْتِ القَلبِ“، كَما قال سيِّدي عبد القادر الجيلاني.
6. وعلى المريد ألاَّ يَتَطَلَّعَ إلى غَيرِ شَيْخِه، حَتَّى لا يَتَشَتَّتَ قَلبه بَينَ مُرشِدينَ مُختلفةٍ مناهِجُهُمْ، إذ لِكلِّ شَيْخٍ طَرائقُ خاصَّةٌ في التربية.
7. وبما أنَّ الوصولَ إلى الله هو ثَمرَة المَحَبَّة الصَّادقَة والأدبِ الظَّاهريِّ، وَجَبَ على المريد إعْمَارُ قَلبِه بِمَحَبَّة شَيْخِه وإخْوانِهِ دون تأليهٍ ولا تقديس ولا غلوٍّ، فَمَحَبَّة الصَّالحينَ والعلماء مِن وَسائِل التقرّبِ الى الله، تعالى، ومَرحلةٌ حاسمَة مِن مَراحِلِ السَّيرِ إلَيْه، فَيَرَى فيه دالاًّ عَلَى اللهِ ومُعَرِّفًا به، ولذلكَ تَوَجَّبَ عَلَيه التزامُ السَّكينَة والوَقارِ في حَضْرَتِه، والتَّحلِّي بِفَضَائِل الأخْلاق ورَضيِّهَا في مَجلِسِه، والمُبَادَرَة إلى خِدْمَتِه، ومُداومَة الحُضور مَعَه “ لأنَّ زيارَةَ المُرَبِّي تُرَقِّي وتُرَبِّي” عَلَى ألاَّ يَنقلَ من هاتيك المجالس والنفحات إلاَّ بِقَدْر أفْهامِ النَّاس حَتَّى لا تَضيقَ العِبارَة، إذْ مَهْما أرَادَ العارِفُ وَصفَ الذَّات كَانَت عِبارَتُه قَاصرة، فَما بَالكَ بِعبارَة النَّاقلينَ.
8. وخُلاصَة القَول إنَّ الشَّيخَ بَابُ الوُصول إلى الرَّسول، صلواتُ الله وسلامه عليه، ونائِبُه وبَقيَّتُه الصالحة. وحَقيقة التأدُّبِ مَعه بِمثابَة الاستعداد للوقوفِ بَينَ يَدَيْ المُصطَفَى، ومِنه إلَى حَضرة الكبير المُتعالي، وكلُّ مُجالَسَةٍ مِن مُجَالَسَاتِه هي مَقامٌ مِن مَقامات العروج إلى الله،
9. فَعَلَى المريد أنْ يأخذَ لكلِّ مَرحَلَةٍ عُدَّتَها مِنَ الأدَبِ، والتَّعظيمِ حتَّى يَكونَ السَّيرُ إلَى اللهِ ثابتًا، مَعارِجُه تَجَلِّياتٌ وإشراقاتٌ، وَوَسَائِلُه فُيوضاتٌ ونَفَحاتٌ، والرِّجال الكُمّلُ، الدّالون فيه، هم أنْفُسُهم مَقاماتٌ مُوصلَةٌ الى ذِي العِزَّة والرَّحماتِ، سبحانه وتعالى.
ن. المدني، الزاوية المدنية، باريس، 20 نوفمبر 2012.