واعْلَمْ، سَيِّدي، أنَّ حالَ المُريد شَغَفٌ مُتَّصِل بِالله، وكَلَفٌ مُطَّرِدٌ بخدمة مَولاه، فما إنْ يَفرَغْ من عِبَادَةٍ إلاَّ وتَوَجَّهَ إلَيهِ بِغَيْرِها من صُنوف العِبادات، وتَقَرَّب منه بإتعابِ نَفسِهِ في خِدْمَته، وإجهَادِها في حَضْرَتِهِ. واليقين أنَّ النَّصبَ في ذاتِ الله سبيلٌ للرَّاحَةِ الأبَديَّة، ورِياضَتُها في مَحَبَّته طَريقٌ للعَطْفَة الرَّبانية. ولن يَخيبَ مَن جَعَلَ غايَتَه العُلْيا وطِلْبَتَه العُظمى اغتنام عافية الأبْدَان لِمَرضاة الدَّيَّان. وما راحةُ الأجساد إلا ذَريعَة لخِدمَة المولَى الجَواد، والتعرُّض لِنَفَحَات الإسْعاد والوِدَاد.
وقد كان قُدوتنا الأكْرم، صلى الله عليه وسلم، ما إن انتَهى من عبادةٍ، إلا شَغَلَ نَفسه بعبادة أهمَّ منها وأعظم. ولِشَرَفِ المُواظبة على المُجاهَدات، والمُثابَرَة على فُنون الطَّاعَات، خَاطَبَ الله، تعالى، صَفيَّهَ مُحمدًا، صلى الله عليه وسلم، لُطفًا وتوجيهًا، وشملنا خطابُهُ حَثًّا وتَنبيهًا، “فإذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ”، فَتَلَقَّ أيها المريد تَنْبيهَ المولى المَجيد، بالتعظيم والتَّحميد، وبادِر بالمجاهدة فيه حَقَّ جهادِهِ، عَساك تَظفَرْ منه بِلَطيف وِدَادِهِ، وشَرح الصَّدر بِمنائح إسْعَادِهِ.
ن المدني
3/11/2016