1. كل عام وأنتم بخير، يحلُّ مَولد نبويٌّ شَريف، ويذهب آخر، ونظل نحنُ نَنعمُ في تلك الأنوار، ولذلك يَجب أن نهنئَ بعضَنا البعض، بنجاح المولد النبوي الشريف لهذه السنة (2017)، وقد عاينتم ما كان فيه من قوة الذكر والنشاط من كل الجوانب شكلا ومضمونًا، حسًا ومعنًى.
2. يزداد الاحتفالُ بالمولد النبوي الشريف قوةً بمرور الأيام، وتلك القوة لا تتأتى من فعل أحدنا، ولكنها هبةٌ من الله تعالى، حتى أنه منذ انتهاء الاحتفال إلى الآن، لم يفتأ الناس يقدّمون التهاني ويعبّرون عن انبهارهم بذاك التنظيم، متسائلين عن سر هذا النجاح، وعن دقة نظام الاحتفال. ولا شك أنَّ السر في ذلك هو النية الصادقة لكل مَن عَمَل على إحياء مولد النبي الأعظم، عليه الصلاة والسلام.
3. إنّ مَن عمل عملا لله خالصًا، وفقه الله فيه، وأما من عمله باحثا عن حظ النفس، فإنه لا يكلّل بالنجاح، “ومَن أخلصَ النية لله تعالى فقد فاز“.
4. لا تبتغي الطريقة المدنية وأبناؤها بهذا الاحتفال مالاً، أو جاهًا أو منصبًا، بل يرجون أن تكون نواياهم خالصة لله ورسوله. هذا من ناحية الشكل. أما من جهة المَضمون، فهو أعظم ويتجلى في تآلف أهل الله وتعارفهم وفيما ظهر منهم من المَحبة والصفاء وهذا من فضل الله.
5. إن الطريقة المدنية لم تغير شيئا من مبادئ طريق الله، لا شكلا ولا مضمونا، متمسكين بسنة الله ورسوله وهذا دأب جميع أهل الله الذاكرين. شكلاً لم نغير في طريقة الذكر حفاظًا على ما رأيناه من والدنا سيدي محمد المدني، رضي الله عنه، فلم نضف آلات الإيقاع، مثلاً، كما حدث عند البعض، وكذلك صيغة “الحضرة” لم نغير فيها شيئًا.
6. كذلك لم نفرض على الفقراء نوعًا من اللباس أو حمل للسبحة أو غيره لأننا نرى، والله أعلم، أن هذه الشعائر قد تكون من الذكر الخفي، والورد الجهري ليس بفرض، إنما هو تنفل فمِن الأحسن أن يتمَّ بالخفاء، لأنَّ في التباهي به تعرضًا لوسوسة الشيطان. ولهذا فإننا مطمئنون شديد الاطمئنان لسيرنا طبق قانون الطريق ولم نغير فيه شيئا، كذلك من يقود السيارة فإنه إن لم يطبِّق قوانين المرور يكون قد عرّض نفسه للخطر. وقانون الطريقة المدنية فيه الذكر والمذاكرة والمحبة وكذلك الذّوق، سيدي عصام تحدث منذ قليل عن الخمرة فما هي الخمرة عندنا؟
7. الخمرة هي الخمر المعتقة وهي من أغلى الخمور لأنه يتم تخزينها ورعايتها، هذا طبعًا الخمر المحسوس، كلما مرت عليه السنوات ازداد تعتقًا وقوة، وكان أثره أقوى وسُمّي الخمر خمرًا لأنه خامَرَ العقول، فقيدها وأعجَزَها عن التفكير. والخمر يكون أيضًا بالحلال كَسَكْرَة جائعٍ أكثر من الطعام، حتى اندهش.
8. أما سكر أهل التصوف فهو سكر حلالٌ، وخمرتهم معتقة كلما زاد تخزينها زاد تأثيرها، وخمرتهم من قَبل آدم مَخزنة، يجوز شربها على عرفات. سادتي إنها الخمرة الإلهية التي تخامر العقل، إيجابًا وليس سلبا. لم تخامر الحضرة الإلهية أحدًا من أهل الله فذهب عقله، والتاريخ يشهد بذاك تحقيقا لقوله تعالى: “ألا بِذكر الله تطمئن القلوب“، ولم يقل: بذكر الله تُجَن العقول أو تذهب. إن الإنسان إذا كان سكرانَ، يعيش في الخيال والأوهام، أما سكران الحضرة فيعيش حالاً نورانيا، ويحصل له ذَوقٌ في باطنه، فينطق بالله وفي الله وعن الله، لأنه ارتبط بالحق وخامرت الخمرة الربانية عقله فأصبح يتوكل على الله ويسير بالله، فلا يزيغ أبدًا عن منهج الاعتدال الذي أمَر به الله ورسوله.
9. الطريقة المدنية أصيلة وممتدة في التاريخ، مرت بالعديد من العواصف والرياح العاتية لكنها ثبتت. فإيمان المؤمن يجب أن يكون كالجبل لا تذيبه الأمطار والثلوج ولا تذهب به الرياح بل جبل تتفجر منه المياه أي الأنوار الصادرة من قلبه، هذه الأنوار لا تصدر الا عن مريد ثابت.
10. ليست الطريقة المدنية أشكالاً ومظاهر بهرجةٍ، بل هي معرفة وذوق، حسنُ سيرٍ وحسن سلوك. والتصوف هو التعامل مع الله ورسوله، فلذلك وجب الحفاظ عليه صافيا، والتصدي للعواصف المحدقة به. ونحن على يقين أن “ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل“. فحافظوا على العهد الذي عاهدتم الله عليه. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الشيخ محمد المنور المدني، زاوية حي محمد علي، ديسمبر 2017.