يقول الله تباركَ تعالى في مُحكم التنزيل : “إنَّه لَما قام عَبدُ الله يَدعوه كادوا يكونون عَليه لبداً”، فقد سَمَّى الله تَبارك وتعالى رَسوله العظيمَ عَبدَ الله، وهي تَسمِية في غاية الفضل والتكريم، حَيث أجَّلَّ الله قَدْرَ نَبِيِّهِ وعَظَّمَ أجْرَهُ، فَالعبودية لله هي عين الكمال الإنساني، ولما كَان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يتسمُ بِكَمال الرسالة، وَجَبَ أن يكون له كمال العبوديَّة.
هذا ومَقام العبودية أشرف المقامات وأجَلُّها، ومِن أجلها أوجدَ الله الخلقَ، قَال الله تعالى: “ومَا خَلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا لِيَعبدون”، فَكانَ عليه الصلاة والسلام أكمل الخلقِ على الاطلاق، وكانت عبوديته أكمل الكمالات، فقد فَتحَ الله عليه باسم العَبد وسَمَّاه به في أشرف مرتبةٍ، قال تعالى :” سُبحانَ الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المَسْجِد الأقصى”، وقال أيضاً “فأوحى إلى عَبده ما أوحى “، وجاء في الحديث الصحيح: “لا تُطروني كَما أطْرَتِ النَّصارى عيسى، ولكن قولوا: عَبد الله ورسوله”، ولذا كان اسم عبد الله أحبَّ الأسماء إلى الله وإلى نَبِيَّه.
ومعنى “عبد الله” هو الخاضع الذليل له تعالى وكما نعلم فَإنَّ والد سيدنا محمد، اسمه عبد الله بن عبد المطلب. وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن. ولما خُيِّرَ رسول لله صلى الله عليه وسلم بين أن يكون نَبياً ملكاً أو نبياً عبدا اختارَ أن يكون نبياً عبداً فاختار ما هو الأتم والأحب إلى الله تعالى.
أخْرَجَ أحمد بن أبي هريرةَ، رَضي الله عنه، قال: جَلَس جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فَنَظَرَ إلى السماء فإذا مَلَكٌ نَزل فقال يا محمد، أرسلني إليك ربُّكَ أفَمَلكاً نبياً يَجعلك أم عبداً رَسولا ؟ قال جبرائيل تَواضَعْ لربك يا محمد. قال: بَل عَبْداً رسولاً .والنبيء والعبد تَصحُّ إضافتهما إلى الله، فيمكن القَول “نبي الله وعبد الله”، بخلاف المَلَك فلا يصح أن يُقال: مَلَكُ الله . يقول الإمام السيوطي، رَحمه الله،:”مِن خَصائصه، صلى لله عليه وسلم، أنْ سَمَّاه الله عَبد الله، ولم يطلق هذا الاسم عَلى أحد سواه، وإنَّما قال عبدٌ شكوراً وفي آية أخرى قال: نِعمَ العبد إنه أواب”.
الشيخ محمد المنور المدني
07 جوان 2016