بسم الله الرّحمان الرّحيم
أساس الطريقة المدنية محبة الله عزَّ وجلَّ. وهذا الحبُّ تُغذّيه الأخبار اللطيفة والآثار الصحيحة فيصفوَ القلب ويرقَّ الفؤادُ. وهذا منهج شيخنا سيدي محمد المنور المدني، لا يَنِي عن البحث عن الرقائق يقدمها سائغةً لترقية مُرِيدِيه وتقوية مَحَبَّتهم في الله ورسوله صلَّى الله عليه وسَلَّم.
اللّهم صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد طبيب القلوب وشفاء الأجسام، حياةِ النّفوس ودواء الأسقام، مَــن سبّح فـــي كفّـــه الحصى والطّعـــام، وَنَطـــق لـــه الطّفل قبل الفِطام.
قال الله عزّ وجلّ في الذّكر الحكيم: “يا أيّها الّذين آمنوا مَنْ يَرتدّ منكم عن دينِه فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه “، صدق الله العظيم .
وقال عليه الصّلاة والسّلام: “مَن أَحبَّ لقاء الله تعالى أحبَّ الله لقاءَه وَمن لم يحبّ لقاء الله تعالى لم يحبّ اللهُ تعالى لقاءَه.
وجاء عن سيّدنا أنس ابن مالك عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم عن جبريل عليه السّلام عن ربّه سبحانه وتعالى قال: ” مَن أَهان لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة وما ترددت في شيء كتردّدي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مُسَاءَتَهٌ ولا بُدّ له منه وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ من أدَاء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه ومن أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدًا ومؤيّدًا “.
ويروى أنَّ بعضَ العارفين دخلَ على مريضٍ من النّصارى وهو في النّزع فقال: ” أسلمْ ولك الجنّة قال لا حاجة لي بها، قال أسلم ولك النّجاة من النّار قال لا أبالي بها، قال أسلم ولك النظر إلى وجه الله الكريم، فأسلم ففاضت روحه. فرؤي تلك اللّيلة في المنام فقيل له ما فعل الله بك قال أوقفني بين يديه وقال لي أسلمت شوقا إلى لقائي قلت نعم قال لك عندي الرّضا واللّقاء”.
وقيلَ إذا كان يوم القيامة واستقرّ أهلُ الجنّة في الجنّة وبقي رجل في الموقف من المحبّين فتأتيه الملائكة بسلاسلَ من نور فيقودونه إلى الجنّة وهو غائب في سكرة المحبّة فإذا صار إلى باب الجنّة أفاق من سكرتِه فيجذب من السّلاسل ويرجع مهرولا وهو يقـــول دلّوني عـــلى ربّ الجــــنّة والمـــلائكة يردّونه إليها . فيقول الله تعالى خلّوا بيني وبينه.
وقال ذو النّون المصري رأيت صبيانا يرجمون رجلا فقلت لهم في ذلك فقالوا إنّه مجنون يزعم أنّه يرى ربّه فدنوت منه فأخبرته بذلك فقال لو احتجب عني طرفة عين لتقطعت من ألم البَيْن ثم قال:
طلب الحبيبُ من الحـــــــــــــبيب رضاه *** ومُـنَــى الحبيــــــــب مــــــن الحبيب لقاه
أبـــــدا يــلاحظه بأعـــــيــــــن قــــــــــلبه *** والقـــلـب يعــــــــــــــــرف ربـّــه ويـــراه
يــرضى الحــــبيب مــن الحبــيب بقربه *** دون العـــــباد فـــــما يريـــــد ســــــــــواه
فقلت أمجنونٌ أنت؟ قال عند أهل الأرض نعم وأمّا عند أهل السّماء فلا، فقلت له كيف أنت مع الله؟ قال ما جـــفوتٌه منـــذ عرفـــتٌه قلت متى عرفـــــــــته ؟ قال لمّا جعل اسمي في المتحابّين.
ويقول الإمام نجم الدّين النّسفي في تفسير قوله تعالى:” وسقاهم ربّهم شرابا طهورا” هو شراب ادّخره الله تعالى فإذا شربوا طربوا فإذا طربوا هاموا فإذا هاموا طاشوا فإذا طاشوا طاروا فإذا طاروا طلبوا فإذا طلبوا وجدوا فإذا وجدوا نزلوا فإذا نزلوا قربوا فإذا قربوا كشفوا فإذا كشفوا شاهدوا.
ويروى أنَّ امرأة جاءت إلى الجنيد فقالت: “زوجي يريد أن يتزوّج عليّ” قال إن لم يكن له أربع جاز، قالت لو جاز النّظر إلى الأجانب لكشفت لك عن وجهي حتى تنظر إلي فتعرف أنَّ من له مثلي لا ينبغي له أن يتزوّج غيري، فوقع الجنيد مَغشيٍّا عليه فلمّا أفاق سئل عن ذلك قال كأنّ الحقّ سبحانه وتعالى يقول لو جاز لأحد النّظر إليّ في الدّنيا لكشفت له الحجاب عن وجهي حتى ينظرني فيعرف أنّ من له مثلي لا ينبغي أن يكون في قلبه سواي.
وقال الامام النّسفي: “أوحى الله إلى موسى عليه السّلام أنِّي خَلقتُ في جَوفِ عبدي بيتا وسمّيته قلبا، وجعلت أرضه المعرفة وسماءه الإيمان وشمسه الشّوق وقمره المحبّة وترابه الهمّة ورعده الخوف وبرقه الرّجاء وغمامه الفضل ومَطرَه الرّحمة وشجره الوفاء وثمره الحكمة ونهاره الفراسة وهي الضّياء وليله المعصية وهي الظّلمة وله باب من العلم وباب من الحلم وباب من اليقين وباب من الغيرة وله ركن من الأنس وركن من التوكّل وركن من اليقين وركن من الصّدق وعليه قفل من الفكر لا يطّلع على ذلك البيت غيري .
وقال الإمام الغزالي أوحى الله إلى داود عليه السّلام بلّغ أهل الأرض إنّي حبيب لمن أحبّني وجليس لمن جالسني وأنيس لمن أنس بي ومصاحب لمن صاحبني ومختـــار لمن اختـــارني ومطيــــع لمن أطاعـــــني فإنّـــي خلقــــت أحبــــابي من طينة ابراهــــيم وموسى ومحمّد صلّى الله عليه وسلـــم ونــــوّرت قلوب المشتاقين من نوري ونعّمتها بجلالي .
ونقل الإمام الرّازي في “مفاتيح الغيب عن جماعة من المفسّرين أنَّ ثوبانَ رضي الله عنه مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان شديد الحبّ للنّبي صلّى الله عليه وسلّم قليل الصّبر عنه فجاءه يوما وقد تغيّر لونه ونحل جسمه فسأله فقال يا نبيّ الله ما بي من وجع ولكنّي ذكرت الآخرة وقد مضى يوم لم أرك فيه فاشتقت إليك فكيف يكون حالي في الآخرة فإن دخلت الجنّة أكون مع العبيد وأنت مع النّبيئين فلا أراك أبدا وأنا لا أصبر عنك، فأنزل الله تعالى ” ومن يطع الله والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم الله عليهم من النّبيئين والصدّقين والشّهداء إلى آخر الآية.
وقال مالك بن دينار وقفت يوما على صومعة راهب سمعته يقول يا من لاذَ بِحَرَمِهِ الخائفون ورغب فيما عنده الطّالبون أسألك الخلاص من القصاص واستغفرك من ذنوب ذهبت لذّتها وبقيت تبعاتها فناديته يا راهب كيف تركتَ الدّنـيا؟ قَالَ تَركتها قبل أن تتركني قلت حدّثني بقصّتك قال كنت على دين النّصرانية فرأيت في منامي قائلا يقول ويحك إلى كم تعبد غيرَ الله، إنَّ عيسى عبدٌ من عبيد الله فقلت له من أنت قال أنا شفيع المذنبين أنا الّذي بشّر به عيسى وشهد بنبوّتي موسى أنا في التّوراة موصوف وفي الإنجيل معروف ثم مسح بيده على صدري وقال اللّهم ألهم عبده الرّشاد ووفّقه للسّداد فانتبهت ولا شيء أحبّ إليّ من الإسلام فأسلمت وسكنت في صومعتي .
وقالت رابعة العدويّة في مناجاتها: “إلهي أتحرق بالنّار قلبا يحبّك؟ فهتف بها هاتف ما كنّا نفعل هكذا فلا تظنّي بنا ظنّ السّوء.
وقيل أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السّلام إنّي إذا اطّلعت على قلب عبد فلم أجد فيه حبّ الدّنيا والآخرة ملأته من حبّي .
اللّهم صلّ وسلّم على سيّدنا محمّد صلاة تمنحنا بها قدسية في النّفس وصحّة في الأبدان ونورا في البصر ورقّة في الوجدان.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ محمد المنور المدني
المراجع :
النزهة ص 25 و 66 و 67 و 68 و 69 و 70 و 74 و 76
الرّسالة القشيريّة ص 143 و 145 و 146 و 147