انْتَقل سيَّدي الشيخ مُحمد المدني، رَحمه الله، إلَى جِوارِ رَبِّه يومَ الخميس 14 ماي 1959 وذلك إثْرَ مَرضٍ ألَمَّ به. ولمَّا فَاضت روحُه الطَّاهرة وعادَت إلى بَارئِها، قَرَّرَ الفُقَراءُ دَفنَه فَي ضريحِه الحاليِّ. وبَعدَ ساعاتٍ من قُدوم شاعر الطريق سيدي ناصر الدين بن سلطانة، رحمه الله، تَقَدَّمَ إلَيه سيدي محمد تقتق وقد رآه في حالٍ مِنَ الجزعِ الشديد والبكاء الحارّ وطلَبَ مِنه أنْ يَرثِيَ شَيْخَه، فَتَفَجَّرَت قريحته الصافية تَسْتَمدُّ من بِحار حبّه المترامية وصاغ هذه القصيدة التي نتشرّف بِنشرها. وهي نفس القصيدة التي قالها سيدي ناصر الدين بن سلطانة أمام النعش قبلَ أن يُوارَى في التراب…
قَد كنتُ أوثِرُ أنْ تَقــــــــــولَ رثائــــي * يا منهـلَ التّقـوى وخــــــــــيـرَ دواء
لو كانَ تعويضُ الممـــــــات مُيَــسَّرًا * لَفَـدَتْك أرواحٌ بـلا إحْصــــــــــــــاء
لكنَّ ميقـاتَ الحيـــــاة مُحَــــــــــــــــدَّدٌ * والمـوتُ سائقُنَـا بلا استثنــــــــــاء
اللّـه أكبـرُ غابَ مَــن كنّــــــــــــــــا به * نَروي الصّـدورَ بأصدق الأضواء
إنْ غـــــــــــابَ عَنّا شَبْحكم فَلــقد بَقت * روحُ التّقى من فَيْحَـة الزَّهــــــــراء
لو يَقبـَلُ الله عَلَـيّ فداءكــــــــــــــــــــم * لَفَدَيتُكـم يا مُكـرِمَ الأبْنـــــــــــــــــاء
حالَ الحِمـام بفجـأة وسريعَـــــــــــــــة * والكـلّ يَجـري دونَ نَيلِ بَقـــــــــاءٍ
اليومَ نادى الرّوحَ تحتَ عـــــــــرائس * العَـرش العلـيّ مبشّرُ الأحْيــــــــاء
لا موتَ في الفِردَوس، طيــبوا مَشهَدًا * ولرؤيـة الرّحمـان خيـرُ جَــــــزاء
سيروا على الإحسان تلتمسوا الرّضى * ورضـاء ربّكـم أجـلُّ ثَـــــــــــنَـاء
اليومَ يَنـكَشفُ الغِطَـاء فَتَشهــــــــــدوا * صدقَ الوُعـودِ وصِحَّـةَ الخُبَـــراء
مَن خانَـه الإدراك منكم قَد هَـــــــــوى * في هـوّة التّضليـل والإغْـــــــــراء
لا تُؤْثـروا دنيَـا الحيـاة فإنّــــــــــــــها * لهـوٌ وأضغـاثٌ ورمـزُ فَنَــــــــــاء
البـعثُ آتٍ والـحسابُ مُؤَكَّــــــــــــــــدٌ * والفَـوزُ يَومَ الـحَشر للعُقَـــــــــلاء
اليـومَ يَجني العابـدون ثِمارَهــــــــــم * واللّـه يُكْرِمهـم بِحُسن اللّقــــــــــــاء
اليـومَ لا نَنعـاكَ يا قُطْبــــــــــــي ولا * نَبكـيكَ إنّكَ سيّـدُ الأحْيَـــــــــــــــاء
مَا مِتَّ موتَـةَ مَن يَظـنّك ميّتًــــــــــــا * ولقد رَفَـعتَ اليـوم خيرَ الــــــــلّواء
لاقيتَ ربّكَ في جَمـالِ قَداسَـــــــــــةٍ * والقلبُ أنْقَـى من صَفـاء المــــــــاء
واللّـه يَشهدُ كَمْ سعيتَ لصالــــــــــحٍ * وحَمَـدتَ في السّـرّاء والــــــضّرّاء
لقّنتنـا الاسمَ الذّي خَرَقَ الفَضــــــــــا * والحـجبَ والكرسيَّ دونَ عَـــــــيَاء
وتَـركتَ آثـارًا يُقدّسها الــــــــــــــذّي * بلقـاء ربّـه موقـن الإيحـــــــــــــــاء
يا قطبُ شَخْصُك فوقَ كلّ قصيـــدةٍ * يا مَبـعَثَ الإحسان والإيفــــــــــــاء
أنـا علـى العهد الـذّي آنَسْتَــــــــــــــهُ * يا مَنهَـلَ التّقـوى وخَيــــــــــرَ دواءٍ