سَمِعْتُ الأستاذَ أبَا عَلِيٍّ الدقَّاقَ يَقُول:
مرَّ أَبُو عَمْرو البَيْكَنْدي [[أبو عمرو، عثمان بن علي بن محمد بن علي البخاري البيكندي . ولد في شوال سنة 465. كان عالمًا بالحديث راويًا له. توفي في تاسع شهر شوال سنة 552.]] يومًا بِسِكَّةٍ (طَريق)، فرأى قومًا أرادوا إخراجَ شابٍ من المحلَّة (الحَيّ) لفساده، وامرأةً تَبكي، قيلَ: إنَّهَا أمُّهُ. فَرَحمَهَا أَبُو عَمْرو فَشَفَع لَهُ إلَيهِم وَقَالَ:
– هَبَوهُ مِنِّي (سامحوه من أجْلي) هَذه المَرَّةَ، فَإِنْ عَادَ إِلَى فَسَادِه فَشَأْنُكُم.
فَوهَبُوه مِنْه. فَمَضَى أَبُو عَمْرو.
فلمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّام، اجتَازَ بتلك السكَّةِ، فَسَمعَ بُكاءَ العَجوز، مِن وَرَاء ذَلِكَ البَاب فَقَالَ فِي نَفْسه : لَعَلَّ الشابَ عَادَ إِلَى فَسَادٍ، فَنُفيَ مِنَ المَحَلَّة.
فَدَقَّ عَلَيْهَا البابَ، وَسَألَهَا عَن حالة الشابِّ، فَخَرَجَت العجوزُ، وَقَالَتْ إنَّهُ مَات. فسألَهَا عَن حَاله،
فَقَالَتْ: لَمَّا قَرُبَ أجله، قَالَ: لاَ تُخبري بموتي الجيرانَ، فَلَقد آذَيْتُهم، وإنَّهم يشمَتونَ بي، ولاَ يَحضرونَ جَنَازَتي، وإذَا دَفَنتِني فَهَذَا خَاتَمٌ لي مكتوب عَلَيْهِ : بسم اللَّه، فَادفُنيه مَعي، فَإِذَا فَرَغتِ مِن دَفني فَتَشَفَّعي لي إِلَى ربي عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَتْ: فَفَعَلتُ وصيَّتَهُ، فَلَمَّا انصرفتُ عَن رأس قبره سَمعتُ صَوتَه يَقُول: انصرفي يَا أمَّاهُ، فَقَدْ قدمت عَلَى ربٍّ كريمٍ.
الرسالة القشيرية، صفحة : 173.