1. ومِن أسْمائه الشَّريفة، صَلَّى الله عَلَيه وسلم، صاحب المِعراج، فَقَد أكرَمَ الله، سبحانه وتعالى، سيدنا محمدًا، صلى الله عليه وسلم، بالإسراء من مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ الى بَيت المَقدس، وفيها صَلَّى بالأنبياء والمُرسَلينَ إمامًا، كَمَا أكرمه بالمعراج من بَيت المقدس إلى السماوات العُلَى، ومنها إلى العَرش، وثمةَ تَمَتَّعَ بمناجاة الحقِّ، سبحانه وتعالى، ورؤْية ما شاء له الله من الآيات الكُبرى.
2. وقد تمَّ الإسراء والمِعراج ليلَةَ السابع والعشرين من شهر رَجَب، قبل الهجرة بثلاث سنواتٍ، وقبل أن يَخرج الرسول، صلى الله عليه وسلم، في هذه الرحلة العظيمة، أكرمه الله تعالى بشقِّ صَدرهِ الشريف. هذا ومن المعلوم أنَّ شَقَّ الصدر الشريف وقع أربع مرات، وليس مرةً واحدة. وركب الرسول البُراقَ، وهو دابَّةٌ من الجنة، وسُمِّيت باسم البُرَاق، قيل: لِشِدَّة بَريقِهِ، وقيل: لِسُرعَته كالبَرق، يَضَع رجلَه حيثُ يقعُ طرفهُ، وصَلَّى الرسول، صلى الله عليه وسلم، بالأنبياء، في القُدس، وصلَّى بالملائكة في السماء، يقول سيدي محمد المدني، رضي الله عنه:
وقَد صَلَّيتَ بِالأنبياء إمامًا * وبِالملائكة فأنت خَير إمام
3. واعْتَلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، المعراجَ وهو مَركبٌ مَصنوع من الذهب والفضّة، والملائكة تحفُّ به وكانَ يَسمع من حين لآخَرَ: يا محمد أنت الليلة ضَيْفُنا. ومن لطيف إيحاءات هذا المقام أنْ قَالَ له الملائكة: يا سيدُ التفتْ إلينا، وأقْبِل بوجهكَ الكَريم عَلينا. فقال: مَن بَلَغَ هَذا المَقام الأعلى لَم يَلتَفت لِغَير المَولى.
حتَّى دَنا من قاب قوسين العُلا * وَسَعَى لَه المَعشوق في إقبالِهِ
وَرَأى وشَاهَدَ ذَا الجَلال بِعَينه * مَا زَاغَ منه الطَّرَفُ عندَ مَآلِه
كَلاَّ ولا كذبَ الفؤاد وكيفَ لا * وهو الحَبيب دُعِيَ لأجْل وِصالِهِ
4. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت شابًا حَسَنَ الثياب طيب الرائحة، فَقَبَّلني بين عيني ثم غاب عني. فَسألت جبريل، فقال: هَذا الدين، فإنَّ أمتكَ يَعيشون مؤمنين ويَموتونَ مؤمنين، ويَدخلونَ الجَنَّة آمنين. وفَرَضَ الله سبحانه وتعالى الصَّلاةَ لَيلَتَها، فَكانت خَمسين صلاةً، وبَعدَها رَجَعَ والتَمَسَ من ربه التخفيفَ، فَصَارَت خَمسَ صلواتٍ، فإذا النِّداء من العلي الأعلى: ادْنُ يا خيرَ البَرية، ادنُ يا أحمدُ، ادنُ يا محمد، فَأدناني ربي حتى كنت كما قال عز وجل: “ ثمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوسَيْن أو أدنى” (النجم: 8-9).
5. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال، لَيلَةَ المعراج: اللهمَّ إنكَ عَذَّبتَ الأممَ، بَعضَهم بالحجارة، وبَعضَهم بالخَسف، وبَعضهم بالمَسخ فما أنت فاعل بأمتي؟ فقال له الله تعالى: أبْدِل سيئاتِهم حسناتٍ، وأستر على عُصَاتِهم وأشفعك فيهم، وأنزل عَليهم رحمتي.
6. وقد نالَ صاحبُ المعراج شَرَفَ زيارَةِ المَلَأ الأعلى، والتَّنَعُّمِ في رِحابِه بمشاهدة الجَمَالِ الأغلى، والإنصاتِ إلى آيات الوَحْيِ تُتْلَى، فَفازَ بأعظم المُخاطبات، ونالَ من الوِصَالِ أسْمَى اللَّحَظَات، وما العروجُ المُحَمَّدي إلا سمو الروح في حَضرَة الإطلاق، ومِن بَرَكَاتِهِ انبثقت فيوضُ الأشْوَاق والأذواق.
الشيخ محمد المنور المدني
21 فيفري 2017