ومن دَلائل التوفيق الربَّاني لسيدي محمد المَداني، أكرمه المَولى بالتداني، أنْ اتَّبَعَهُ جِلَّة العلماء، وأفاضل العارفين الأتقياء، ومن بَينهم سيدي القاضي مَحمود عباس، رَحمه الله، (أصيل مدينة المنستير) وهو من عُلماء الزَّيتونة الأبرار وأعلامها الكِبار. تَوَلَّى منصب القَضاء الشرعي بمدينة المَهدية، وعُيِّنَ باش مفتيًا (أي مفتيا كبيرًا يَعمل على مساعدة شيخ الإسلام سيدي الشيخ الطاهر بن عاشور)، كما كان مفتيًا في مدينة المنستير.
وقد أخذ العَهدَ على الشيخ محمد المدني، وسار مَعه في طريق الله، بتواضعٍ ومحبةٍ. وكان كثير التردد على الزاوية المدنية، ولاسيما في احتفالات المولد النبوي الشريف، يُحب مُجالسة شيخه محمد المَدني، والاستماع لقصائد الفُقراء، وكان يَستدعيهم بانتظامٍ في بَيته، بالمنستير.
وقد انحدر هذا القاضي اللامع من عائلة مَرموقة فاضلة، وله أخَوَان هما السيدان محمّد عباس ومحمد صالح عباس، رحمهم الله جميعًا. وقد زَوَّجَ ابنته الوحيدة للشيخ صالح النابي، وهو من علماء المَذهب الحنفي بالمنستير ومن مُحبِّي الشيخ المدني وخلانهِ.
ومن اللطائف التي تُروى للاعتبار أنه في إحدى المناسبات، ألَحَّ على حضور الفقراء المدنية وعلى سَيدي محمد تقتق بالخصوص للإنشاد، إلا أنَّ وسائل النقل والتواصل لم تكن مَيسورةً آنذاكَ، فَاعتذر الشيخ المدني لسيدي محمود عباس، عن صعوبة حضور سيدي محمد تقتق. وفي اليوم المقرر للسهرة، وفي الوقت الذي كان فيه الفقراء يستعدون للذهاب إلى المنستير على الدراجات دخلَ سيدي محمد تقتق إلى الزاوية يُجلل دون سابق إعلامٍ، فقال سيدي محمد المدني: الله بالمد، شاكرًا لله.
رحمهم الله كَم كانت النوايا منهم صادقَة، والسرائر طاهرة، وثبتنا وإياكم على طريقة الحَق الفاخرة.
من مذاكرات الشيخ محمد المنور المدني، 23 فيفري 2017.