1. كان سيدي الحاج الصّادِق المِعلال رحمه الله، صاحب النية، كاسمه، صدقًا يَمشي، نورانيةً من الصدق الوَضَّاح ألهمتها مُذاكرات سيدي محمد المدني، وأضاءت رقَّةً وعفة وحساسية. عاشرْته سنينَ طوالاً، كان فيها رَضيَّ الخلقِ، باسمًا، صبورًا، لا يُبادركَ، رحمه الله، إلاَّ بالكلمة الطيبة والمذاكرة الراقية، طيبَةٌ من غير حدودٍ تكاد تَجعله في نظر البعض، غرًّا والمؤمن غِرٌّ.
2. وهذه كَلماتٌ بَسيطَة تُسَجَّلُ للتاريخ وللوفاء لِروحِه الطَّاهرَة، وهيَ حادثَةً وقعت سنة 1986.
3. اجتمعنا ليلة الجمعة (مساء الخميس) بالزاوية المدنية في بيتِ الجامع كالعادة، وأقمنا شعائرَ الطريقة المألوفة، ذكرٌ فمذاكرةٌ، فأحوالٌ رقاقٌ، ودمعاتٌ سجامٌ. ولمَّا انفضَّ المَجلسُ، طلبَ سيدي الحاج الصادق المعلال، رضي الله، عنه من المغفور له سيدي الحاج حسن الزينة أن يبقى قائلاً:
– يا سيدي الحاج حَسن أنا عاتبٌ عليك؟
– ولم العتاب؟ إن شاء الله خير يا أخي.
– طرَأ في بيتي حادثٌ عظيمٌ آلمَنَي أشدَّ الألم ولم تَزرني.
– يا سيدي الحاج، والله ما سمعت بالأمر قبل الآن وإن سمعت ما كنت ترددت لحظةً.
– يا سيدي الحاج أنت أخي، أنت روحي، والمَحَبَّةُ التي تَجمَعُ أرْواحَنا هي ساقية ماءٍ تَروينا ، وكأنك بغيابك وضعتَ حاجزًا، فحالَ بَينَ الماء وسَقيِ الجِنان.
– والله يا سيدي ما سمعت بالحادث ولو سمعت ما تأخَّرتُ وكيف لساقية المحبة التي رواها سيدي الشيخ أن تنقطع بَينَنَا .
– نعم ولكن لا شيءَ يُفَرِّجُ عن كَربي سوى زيارةِ فقيرٍ لي في وقت الشدة.
– يا سيدي مَلامُكَ مقبولٌ. ومهما كان عذري فإنني أطلبُ منك الصفحَ. ولكن حذارِ يا سيدي أن تلوم – ولو في قرارة نفسك سيدي الحاج المُنَوَّر- فليس على الشيخ أن يزورَ الفقير لأدنى شَوكَةٍ تَشوكهُ، فَمشاغل الزاوية لا تحصى. لُمْ عَلَيَّ ولا تَلُم على الشيخ.
وتصافَح الرجلان وتعانقا وكأني أرى دموعَ الأخوَّة تَنهَل منهما ثمَّ تَفارَقَا.
ومن الغد وَجدت سيدي الحاج الصادق المعلال جالسًا على عتبة الأرض السطحاء (مقابل مكتب الوالد الحالي) يَنتَظرِنِي وقال لي:
– إياك يا ولدي أنْ تَظُنَّ أنَّ خاطرًا واحدًا خطر ببالي ليلومَ الشيخَ محمد المنور المَدنيّ. فهو أعلى من أن يُوَجَّهَ إليه أي ملام ويَكفيه ما يكابدُه من مِشاغل الزاوية.
ثمَّ عادَ الى قريته شراحيل، يَتَهادى في مشيتِه، وَقورًا مَهيبا كأنَّما عَلى رأسه الطير. رَسَّخت هذه القصة الشائقة معاني المحبة والصبر والتعظيم والعِتاب الأخويّ والصراحة. فلله دَرُّهُم جميعًا، ورحمَهم الله، فقد كانُوا أعلامًا نيرةً يُهْتَدى بأخلاقِهم العالية.
ن. المدني
الزاوية المدنية بباريس،
7 ديسمبر 2012.
سيدي الحاج الصّادِق المِعلال رحمه الله