خطبة المولد النبوي الشريف الخميس 10 أفريل 2006م 1427هـ

Home الشيخ حياته وآثاره مؤلفات الشيخ سيّدي محمّد المنور المدني خطب المولد خطبة المولد النبوي الشريف الخميس 10 أفريل 2006م 1427هـ
خطبة مولد الهادي المعظم

خطبة مولد الهادي المعظم

خطبة مولد الهادي المعظم

بسم الله الرّحمان الرّحيم

اللّهمّ صلّ و سلّم و بارك على سيّدنا ومولانا محمّد شمس فلك الأسماء والصّفات وعلى آل سيّدنا محمّد باب الخيرات ومفتاح البركات.

أصلـّي صلاة تملأ الأرض والسّما***على من له أعلى العُلا مُتبوّأُ
أُقيـمَ مـقاما لم يقم فيه مُرسَلٌ*** وأضحت له حُجُبُ الجلال تُوَطَّأُ
إلى العرش و الكرسيّ أحمد قد دنا***ونُورُهُمـا من نوره يــتــلألأ

الحمد لله الذي أفرغ على سيّدنا محمّد جميع الفضائل والكمالات وأهّله لكافـّة المحامد التي لم يفز بها أحد من أهل الأرضين والسّماوات. أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له أثنى على سيّدنا محمّد في كتبه القديمة وَوَسَمه بأكمل الأسماء ووصفه بأجمل الصّفات. وأشهد أنّ سيّدنا ومولانا محمّدا عبده ورسوله زيادةً في شرف المصطفى الذي قالت في مدحه أمّنا السيّدة عائشة الصدّيقة بنت الصّدّيق :


وأجمل منك لم تر قطّ عيني***وأكمل منك لم تلد النّساء
خُلقتَ مُبرّأ من كلّ عيب*** كأنـّك قد خُلقت كما تشاء

صلـّى الله عليه صلاة دائمة أغنته عن صلاة جميع المصلـّين، وأثنى عليه ثناء متواصلا كفاه عن ثناء الخلق أجمعين، وسلـّم عليه تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدّين.

أمّا بعد فيا أيّها السّادة الحاضرون:

إنّ أهمّ ميزةٍ للعقيدة الإسلاميّة هي ثبات أصولها و قواعدها بحيث لا تتغيّر ولا تتبدّل بالزّيادة أو النّقصان. وهذا شأن الإسلام بشكل عامّ يجمع بين المرونة والثـّبات، المرونة في الجزئيّات والفروع، والثـّباتِ في القواعد والأصول، فأصل الدّين الإسلاميّ قائم على الرّحمة التي جاءت باليسر والسّماحة.

يقول سيّدُنا رسول الله صلّى الله عليه وسلـّم: ” بعثت بالحنفيّة السّمحة التي ليلها كنهارها “. يدلّ هذا الحديث الشّريف على وضوح التـّعاليم الشّرعيّة إذ هي في منأى عن كلّ مظاهر الغموض أو الضّبابيّة. فليل هذه الشّريعة كنهارها، فالنـّهار بَيِّنٌ واضح وكذلك اللـّيل بَيِّنٌ واضح، وإنّ ما تركنا عليه المصطفى صلـّى الله عليه وسلـّم يعتمد على السّماحة والتّسامح مهما اختلفت الألوان واللـّغات والمعتقدات تسامح قائم على العدل الكامل في محيط الحياة ليغرس بذور المحبّة في ضمائر النـّاس ووجدانهم، ومن ثَمّ اختار الحقّ سبحانه وتعالى لدينه أجمل الأسماء وأشرفِها فقد سمّاه الإسلام وسمّانا المسلمين، وهذا الاسم الكريم يحمل المعاني الطيّبة الهادئة السّمحة التي ترتاح لها الأسماع وتتقبّلها النـّفوس وترحّب بها العقول، يقول الشّيخ محمّد المدني في إحدى قصائده :


خادما لشرع الهادي ** نوره للخلق بادي
مشرق على العباد ** واضح للنـّاظرين

ويقول أيضا في قصيدة أخرى :


وكن لشرع الهادي نصيرا *** فهو الطـّريق الواضح المنيرُ

ويتغنـّى الشّاعر أحمد شوقي بالحنفيّة السّمحة في إحدى قصائده فيقول :


بك يا ابن عبد الله قامت سمحة*** في الحقّ من مِلل الهدى غرّاء

فالطّريقة المدنيّة تسير في تعاليمها بين مستقيمين لا نهاية لهما الوضوح والتـّسامح فهي مدرسة مفتوحة على مصراعيها تتميّز بتوطين نفوس المنتمين إليها على الصّدق والإخلاص والحرص على التـّوجّه إلى رحاب التـّقوى والسّماحة والعمل الصّالح بهدف بلوغ درجة الإنسان البشري المتكامل الذي يعيش مع الخير والاطمئنان، يقول الله تعالى في الذ ّكر الحكيم : ” يا أيّها الذين آمنوا اتـّقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.” صدق الله العظيم. وهكذا تريد الطـّريقة المدنيّة أن يكون المنتمي إليها عنصرا فعّالا شفـّافا متسامحا سبّاقا إلى احترام الشّريعة السّمحة مُسرعا إلى تحقيق العزّة لهذا الدّين تحت رعاية الله شعارها محبّة ٌ وسلامٌ وسماحة ٌ و صدقٌ ووئامٌ.


اللهمّ صلّ و سلّم وبارك على سيّدنا ومولانا محمّد عبير الزّهر في الأكمام، وعلى آل سيّدنا محمّد شمس المعارف الطّالعة وبدر هداية الأنام.


أراه من الآيات أكبر آية***وما زاغ حاشا أن يزيغ المبرّأ
أتاه النـّدا يا سيّد الرّسل لا تخف ***أنا الله منـّي بالتـّحيّات تبدأ
أردناك أحببناك هذا عطاؤنا ***بغير حساب أنت للحبّ مَنشأ ُ

سادتي الأفاضل، يقول الإمام يوسف النـّبهاني رضي الله عنه ” لمّا أراد الجليل جلّ جلاله أن يخلق محمّدا صلـّى الله عليه وسلـّم أمر جبريل عليه السّلام أن يأتيه بالطّينة البيضاء التي هي قلب الأرض و بهاء الأرض ونور الأرض قال فهبط جبريل عليه السّلام في ملائكة الفردوس وملائكة الرقيع الأعلى فقبض قبضة رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم من موضع قبره وهي يومئذ بيضاء فعجنت بماء التسنيم وجُعلت كالدرّة البيضاء وغُمست في كلّ أنهار الجنـّة وطِيف بها في السّماوات والأرض والبحار فعرفت الملائكة محمّدا صلـّى الله عليه وسلـّم وفضله قبل أن تعرف آدم عليه السّلام وفضله، ولمّا خلق الله آدم عليه السّلام سمع من تخطيط أسارير جبهته نشيشا كنشيش الطّير فقال سبحانك ما هذا ؟ قال الله عزّ وجلّ يا آدم هذا تسبيح خاتم النـّبيئين وسيّد ولدك من المرسلين صلـّى الله عليه وسلـّم قال فكان نور محمّد صلـّى الله يُرى في دائرة غُرّة آدم كالشّمس في دوران فلكها وكالقمر في ديجور ليلة ظلماء.” وقال كعب الأحبار لمّا أراد الله تعالى أن يخلق محمّدا صلـّى الله عليه و سلـّم أمر جبريل أن يأتيه بالطّينة التي هي قلب الأرض فهبط في ملائكة الفردوس وملائكة الرقيع الأعلى فقبضها من محلّ قبره المكرّم وأصلـُها من محلّ الكعبة المشرّفة. وقال الإمام اسماعيل حقـّي في تفسيره روح البيان ” لمّا خاطب الله السّماوات والأرض بقوله 🙁 ائتِيَا طوعا أو كرها قالتا آتينا طائعين). كان العجيب من الأرض موضع الكعبة الشّريفة، ومن السّماء ما حاذاها الذي هو البيت المعمور ووافقهم على الجواب البقيّة ، ولذا جعل الله تعالى لها حرمة على سائر الأرض حتّى كانت كعبة الإسلام وقبلة الأنام “.

وقال الإمام السّهيلي رحمه الله ” لم يجبه إلاّ أرض الحرم أي من الأرض “، وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما ” أصل طينة رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم من سرّة الأرض بمكّة “، وقال السهروردي ” هذا يشعر بأنـّه ما أجاب من الأرض إلاّ درّة المصطفى وهي تلك الطّينة، ومن موضع الكعبة دحيت الأرض فرسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم هو الأصل في التـّكوين روحا وجسدا والكائنات تبع له، وإنّ الماء لمّا تموّج رمى ذلك العنصر الشّريف و الزّبد اللـّطيف والجوهر المَنيف إلى النّواحي فوقعت جوهرة النّبيء صلـّى الله عليه وسلـّم إلى ما يحاذي تربته بالمدينة “، ولا خلاف بين علماء الأمّة في أنّ ذلك المشهد الأعظم والمرقد الأكرم أفضل من جميع الأكوان حتـّى من العرش والجنان وإليه ذهب الإمام مالك رحمه الله وقال ” لا أعرف أكبر فضل لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما من أنـّهما خلقا من طينة رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم لقرب قبرهما من حضرة الرّوضة المقدّسة المفضّلة على الأكوان بأسرها.”

فصلـّوا على سيّدنا محمّد تسعدوا بجماله.

اللهمّ صلّ وسلّم على سيّدنا ومولانا محمّد مصدر الإحسان و الإكرام، وعلى آل سيّدنا محمّد الهائمين في الله أشدّ الهيام.


أنلناك في الدّنيا على الرّسل رفعة***وكم لك منْ جاه إلى الحشر يخبأ
أُعدّ لك الحوض الذي من يؤمّه***ويشرب منه شربة ليس يظمأ
أخلاّني من يُحصي مديح محمّد***وفي مدحه كُتـْبٌ من الله تـُقرأ

يا عشّاق رسول الخير والسّلام، يقول الحقّ تبارك وتعالى في محكم التـّنزيل “ الذين يتـّبعون الرّسول النـّبيء الأمّيّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التـّوراة والإنجيل ” – صدق الله العظيم. إنّ هذه الآية الكريمة اِشتملت على أربع صفات لسيّدنا رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم.

الأولى

كونه عليه الصّلاة و السّلام رسولا. وقد اختصّ هذا اللـّفظ بمن أرسله الله إلى الخلق لتبليغ التـّكاليف الشّرعيّة.

الثّانية

كونه صلّى الله عليه وسلّم نبيّا وهو يدلّ على رفعة قدره عند الله تعالى.

الثـّالثة

كونه أمّيّا وهو الذي على صفة العرب، قال عليه الصّلاة والسّلام ” إنّا أمّة ٌ أمّيّة ٌ لا نكتـُبُ ولا نحسِبُ “. فالعرب أكثرهم ما كانوا يكتبون ولا يقرأون. والنّبيء صلـّى الله عليه وسلـّم كذلك، فلهذا وصفه الله تعالى بكونه أمّيّا، وأُمّيّة ُ الرّسول كمالٌ على كمالٍ وأمّيتنا نَقصٌ. قال أهل التـّحقيق: وكونه أمّيّا بهذا التـّفسير كان من جملة معجزاته صلـّى الله عليه وسلـّم وبيانه من عدّة وجوه:

الأوّل: إنـّه عليه الصّلاة والسّلام كان يقرأ على النّاس كتاب الله تعالى مرّة بعد أخرى دون تبديل ألفاظه ولا تغيير كلماته، والخطيب من العرب إذا ارتجل خطبة ثمّ أعادها فإنـّه لابدّ أن يزيد فيها وأن ينقص بالقليل أو بالكثير، ثمّ إنـّه عليه الصّلاة والسّلام مع أنـّه لا يقرأ ولا يكتب فهو يتلو كتاب الله من غير زيادة ولا
نقصان ولا تغيير فكان ذلك من المعجزات وإليه الإشارة بقوله تعالى: ” سنقرئك فلا تنسى “.

الثـّاني : إنـّه صلـّى الله عليه وسلـّم لو كان يحسن الخطّ والقراءة لصار مُتـّهما في أنـّه لربّما طالع كتب الأوّلين فحصّل هذه العلوم من تلك المطالعة فلمّا أتى بهذا القرآن المشتمل على العلوم الكثيرة من غير تعلـُّم ولا مطالعة كان ذلك من المعجزات، وهذا المراد من قوله تعالى : “ وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذ ًا لارتاب المبطلون “. ثمّ إنـّه تعالى أعطى لسيّدنا محمّد صلـّى الله عليه وسلـّم علوم الأوّلين والآخرين ما لم يصل إليه أحد من البشر ومع تلك القوّة العظيمة في العقل والفهم لم يتعلـّم الخطّ الذي يسهل تعلـّمه على أقلّ الخلق عقلا وفهما فكان الجمع بين هاتين الحالتين المتضادّتين من الأمور الخارقة للعادة وجاٍر مجرى المعجزات الدّالـّة على نبوّته لأنـّه مع كونه لا يقرأ ولا يكتب ولا يُدارس ظهرت منه العلوم والمعارف اللـّدنيّة وأخبار الأمم السّابقة وشرائعهم واطّلاعه على علوم الأوّلين والآخرين وإحكامه لسياسة الخلق على تنوّعهم وإحاطته بجميع مصالح الدّين والدّنيا وتخلـّقه بكلّ خُلق حسنٍ، وكانت أمّيته عليه الصّلاة والسّلام مرتبطة بالنـّبوءة لأنـّه لم يرد لفظ الأمّيّ في حقّه صلّى الله عليه وسلّم إلاّ مع لفظ النّبيء فلا يفرد لفظ الأمّيّ عنه، يقول الله تعالى في القرآن المجيد، ” وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلـّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما “، وهذه الآية الشّريفة تظهر فضل الله العظيم على سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام مع سائر ما تفضّل به من نِعمِه بإنزاله عليه القرآن الكريم والحكمة وعلـّمه علوم الأوّلين و الآخرين وما كان وما هو كائن إلى يوم الدّين.

وجاءت لفظة التـّعليم بصيغة الماضي في قوله تعالى : “وعلـّمك ما لم تكن تعلم “. يقول أهل الله: ومن كان القلم الأعلى يخدمه، واللـّوح المحفوظ مُصحفه لا يحتاج إلى تصوير الرّسوم ( وهي الحروف والكلمات ).

الصّفة الرّابعة

لسيّدنا رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم التي وردت في الآية السّابقة الذ ّكر هي : ”
الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التـّوراة والإنجيل
“، جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن سهل مولى خيثمة قال ” قرأت في الإنجيل نعت محمّد صلـّى الله عليه وسلـّم إنـّه لا قصير ولا طويل أبيض ذو ضفيرتين ( الشّعر المضفور ) بين كتفيه خاتم، لا يقبل الصدقة ويركب الحمار والبعير ويحلب الشّاة ويلبس قميصا مرقوعا. ومن فعل ذلك فقد برئ من الكبر، وهو من ذرّية اسماعيل إسمه أحمد “.


فصلـّوا على سيّدنا محمّد المسك الفائح الأمجد.

اللـّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد عرش المطالع الإلهيّة على الإطلاق وعلى آل سيّدنا محمّد آية الله الكبرى في جميع الآفاق.


أيُمــدح من أثــنى الإلــه بـنفـسـه***عليه فكيف المدح من بعد يُنشأ
أميـنٌ مـكيـنٌ مجـتـبًى ذو مـهـابـة*** جـميل جـليل للغـيـوب مـنبّـأ
أمان لأهل الأرض مذ حلّ بينهم *** به يدفع الله العذاب ويــدرأ

أيّها الفضلاء الأخيار، كان رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم يربّتُ على كتف هذا الصّحابي ويدعو له قائلا: “ اللـّهمّ فـَقـِّهه في الدّين وعلـّمه التـّأويل“. فهو ترجمان القرآن وحبر هذه الأمّة وبحرها، هيّأه لهذا اللـّقب ولهذه المنزلة استنارةُ عقله وذكاء قلبه واتـّساع معارفه، عَلـَمٌ من أعلام الصّحابة الذين صحبوا رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم وكرعوا من منهله العذب المتفرّس الحسّاس ومُكرمُ الجُلاّس سيّدنا عبد الله بن العبّاس ، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين في شعاب مكّة. قال ابن عبّاس لمّا ولدتني أمّي أُتِيَ بي إلى رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم وأنا في خرقة فحنـّكني بريقه الشّريف، قال مجاهد لا نعلم أحد حنـّكه رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم بريقه غيره، وصحب حبر هذه الأمّة رسول الله عليه وسلـّم ولزمه وأخذ عنه الأقوال والأفعال وبعد انتقال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام أخذ عن الصّحابة علما عظيما مع الفهم الثـّاقب والبلاغة والفصاحة والبيان. قيل له كيف أصبت هذا العلم ؟ فقال بلسان سؤول وقلب عقول، روى الشّعبي عن ابن عبّاس : قال لي أبي إنّ عمر بن الخطّاب يُدْنِيك ويجلسك مع أكابر الصّحابة فاحفظ عنـّي ثلاثا، لا تـُفشيَنّ له سرّا، ولا تغتابنّ عنده أحدا، ولا يجرّبنّ عليك كذبا. قال الشّعبيّ قلت لابن عبّاس كلّ واحدة خير من ألف فقال ابن عبّاس بل كلّ واحدة خير من عشرة آلاف.

رُوي عنه الكثير من الأحاديث المشهورة فبلغت 1660حديثا. قال صاحب كتاب موسوعة عظماء حول الرّسول الشّيخ خالد عبد الرّحمان:” كان ابن عبّاس يقول: نحن أهل البيت شجرة النـّبوءة ومختلف الملائكة وأهل بيت الرّسالة وأهل بيت الرّحمة ومعدن العلم “. وروي عن مسروق قال كنت إذا رأيت ابن عبّاس قلت ” أجمل النـّاس ” فإذا اِنطلق قلت ” أفصح النـّاس “، فإن تحدّث قلت ” أعلم النـّاس “، وكان إذا سئل عن مسألة فإن كانت في كتاب الله قال بها، وإن لم تكن وهي في السّنـّة قال بها، فإن لم يفعلها رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم ووجدها عند أبي بكر وعمر قال بها، و إلاّ اجتهد رأيه. وكان ابن عبّاس يقول لئن أعُول أهل بيتٍ من المسلمين شهرا أو جمعة أو ما شاء الله أحبّ إليّ من حجّة بعد حجّة، ولـَطبقٌ بدانق ( يعني بدرهم ) أهديه إلى أخ لي أحبّ إليّ من دينار أنفقه في سبيل الله عزّ وجلّ. ويقول أيضا :

يا لسان قل خيرا تغنم، واسكت عن شرّ تسلم فإنـّك ألاّ تفعل تندم. وقال الشعبي : ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عبّاس بركابه، فقال لا تفعل يا ابن عمّ رسول الله. قال هكذا أُمرنا أن نفعل بعلمائنا، فقال زيد أنـّى يداك ؟ فأخرج يديه فقبّلهما فقال هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا. واختصّ الله ابن عبّاس بسماع نجوى سيّدنا جبريل عليه السّلام ومعاينته. وكان ذلك مرّتين، فقد روي أنّ العبّاس بعث ابنه عبد الله في حاجة إلى رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم فوجد عنده رجلا فرجع ولم يكلـّمه من أجل مكان ذلك الرّجل فلقي العبّاس بعد ذلك رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم، فقال العبّاس يا رسول الله أرسلتُ إليك ابني فوجد عندك رجلا فلم يستطع أن يكلـّمك فرجع وراءه، فقال رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم : يا عمّ أتدري من ذاك الرّجل ؟ قال لا، قال ذلك جبريل. ولن يموت ابنك حتـّى يذهب بصره ويُؤتى علما، وعاش ابن عبّاس يملأ الدّنيا علما وحكمة وينشر بين النـّاس عبيره وتقواه إلى أن وافاه الأجل سنة 68 للهجرة عن عمر يناهز 72 سنة بمدينة الطّائف، وصلـّى عليه محمّد بن الحنفيّة، فلمّا وضعوه ليدخلوه في قبره جاء طائر أبيض لم يُر مثل خلقته فدخل في أكفانه والتفّ بها حتـّى دفن معه، وكانوا يروون علمه وعمله، فلمّا وضع في اللـّحد تلا تال لم يُعرف من هو. وفي رواية أنـّهم سمعوا من قبره:” يا أيّتها النـّفس المطمئنـّة ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة فاُدخلي في عبادي وادخلي جنـّتي.”

قال رافع بن خديج: ” مات اليوم من كان يُحتاج إليه من بين المشرق والمغرب في العلم “، وقال سيّدنا معاوية ” مات والله أفقه من مات ومن عاش “.

اللهمّ اُصبب على ضريحه وابل الرّحمة والرّضوان، واسكنه فراديس الجنان، واغفر لنا وله يا غفـّار يا رحمان، بجاه سيّدنا محمّد خير ولد عدنان.

اللّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا ومولانا محمّد المخلص الأمين تاج الشرف والكمال. وعلى آل سيّدنا محمّد الظلّ الظّليل يوم الحشر والسّؤال.


ألا فادع علّ الله يجمـعـنا به *** فلولا الدّعا ما كان بالخلق يُعـبأ
أعد مدحه أنّ القـلوب تحبّـه***فـأوصافه تجلو إذا هـي تصـدأ
أحبّتـُنا طبتم وطاب حديثكم*** فلا عوض عنكم ولا الصبر يطرأ

سادتي الأكارم، نتوّج هذه النـّفحة النـّبويّة بتاج الفخار ونجعل ختامها المسك الأدفر الذي يليق بعباد الله المحبّين له والمشتاقين إليه، قال الغزالي : أوحى الله إلى داوود عليه السّلام بلّغ أهل الأرض عنّي أنّي حبيبٌ لمن أحبّني، وجليس لمن جالسني وأنيس لمن أنس بي ومصاحب لمن صاحبني، ومختار لمن اختارني ومطيع لمن أطاعني فإنّي خلقت طينة أحبابي من طينة إبراهيم وموسى ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم ونوّرت قلوب المشتاقين من نوري ونعّمتها بجلالي.

وأخرج البزار والطّبراني في الأوسط عن سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : لأشفعنّ لأمّتي حتّى يناديني ربّي أرضيت يا محمّد ؟ فيقول أي ربّ رضيت. وروي الإمامان أحمد والطّبراني عن عبادة بن الصّامت عن النّبيء صلّى الله عليه وسلّم قال : إنّ الله تعالى يقول يا محمّد إنّي لم أبعث نبيّا ولا رسولا إلاّ وقد سألني مسألة أعطيته إيّاها، فسل يا محمّد تُعْطـَهُ، فقلت مسألتي شفاعة لأمّتي يوم القيامة، فقال سيّدنا أبو بكر يا رسول الله وما الشّفاعة ؟ قال أقول يا ربّ شفاعتي التي اختبأت عندك فيقول الرّبّ نعم، فيخرج بقيّة أمّتني من النـّار فيدخلهم الجنـّة.

وجاء عن سيّدنا أنس رضي الله عنه أنّ رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم قال : مازلت أشفع إلى ربّي و يُشفـّعُني حتـّى أقول أي ربّ شفـّعني فيمن قال لا إله إلاّ الله. فيقول هذه ليس لك ولا لأحد، وعزّتي وجلالي ورحمتي لا أدَعُ في النـّار أحدا يقول لا إله إلاّ الله. ورُوِيَ أنّ الملائكة تعرج إلى السّماء بسيّئات العبد فإذا عرضوها على اللـّوح المحفوظ يجدون مكانها حسنات فيخرّون على وجوههم ويقولون ربّنا إنـّك تعلم أنـّنا ما كتبنا عليه إلاّ ما عمل، فيقول الله تعالى صدقتم ولكن عبدي ندم على خطيئته واستشفع إليّ بدمعته فغفرت ذنبه وجُدتُ عليه بكرمي وأنا أكرم الأكرمين.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

خطبة المولد النّبوي الشّريف 2017 – 1439

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله المُنفردِ باسمه الأسمى، المُختصِّ بالمُلك الأعَزِّ الأحمى، الذي...

خطبة المولد النّبوي الشّريف 1438 ـ 2016 م

اللهَــمَّ صلِّ وسَلّم وبـــارك على سيّدنــا محمّد وعلـــى آل سيّـــدنــا محمّـــد الّذي وُلـــدَ...

خطبة المولد النّبوي الشّريف 1437 هجري ـ 2015 ميلادي

بسم الله الرَّحْمَن الرَّحيم اللَّهم صَــلِّ وَسَلِــم وَ بَــارِك عَلى سَـــيِّدِنَا وَ...