1. ومِن أسْمَائه، صَلَّى الله عليه وسلم، حَريصٌ، وهي صفةٌ مشتقةٌ من الحِرْص، وهو العناية والاهتمام بما يفيد الآخرين، محبةً ورحمةً. وهذه الخصلة، في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفيد الاعتناء بسعادة أمته في الدنيا، ونجاتهم في الآخرة. يَقول الله تعالى في القرآن الكريم: “لَقَد جَاءَكم رسولٌ من أنْفُسِكم، عَزيزٌ عَليه ما عَنتم، حَريصٌ عَلَيكم… ” (الآية 128 من سورة التوبة).
2. وهي آية تعني أنَّ سيِّدَنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بشهادة الله، حَريصٌ على هداية الخَلق إلى الطريق المستقيم وعلى تحصيلهم للإيمان بالله تعالى، ومن أمانيه الغالية أنْ يَصير كل البَشر مُوحدين، ولله عابدين. ولذلك، بَذل الرسول، عليه الصلاة والسلام، النفس والنفيس، في دعوة الناس إلى الرشاد، أفرادًا وجماعاتٍ، فمنهم من هدى الله، ونهم من أبى. وكان يتنقل خلال الديار وفي أماكن اجتماعاتهم حتى يَجمعهم على كلمة التوحيد، ويذاكرهم في مَعاني التفريد، ويحادثهم في شؤون الدين والدنيا، بكل لطف وآداب وحرصٍ.
3. كما كان، عليه الصلاة والسَّلام، حريصًا على دخولهم الجنة، التي عَرضها السماوات والأرض، أعدت للمتقين، ومع ذلك، كذَّبه قومه وسخروا منه، ولكنه لم يَضجر، عليه الصلاة والسلام، ولم يتخلَّ عن أعباء النبوة وأثقال الرسالة، إذ قد أعانه الله عليهما. فكان يعيد المذاكرات من جديد، يبشرهم بالخير وينصحهم، ويدعو لهم بالصلاح والتوبة، حتى هداهم الله تعالى للإيمان والتوحيد.
4. وقد قام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بكل هذه الأعمال وأتعب نفسه في ذات الله، سعيًا إلى مرضاته، حتى قال الله سبحانه وتعالى مسليًا له: “فَذَكِّر إنما أنت مُذكر لَست عليهم بمُسَيْطر“، (سورة الغاشية: 22)، وقال في آية أخرى: ” إنَّكَ لا تَهدي مَن أحبَبتَ ولكنَّ اللهَ يَهدي مَن يَشاء” (القصص، 56). وهنا نَرى كيف كانَ رسول الله، عليه الصلاة والسلام، حريصًا على أمته، حتى يبعدهم عن غَضب الله، ويقربهم إلى مرضاته، ويدخلهم في جنته، فَيَحظوا برأفته. ومن المعلوم أنَّ الله، سبحانه وتعالى، قدَّمَ الأبلغ وهي الرأفة في قوله تعالى: “بِالمؤمنين رؤوف رحيم”، (التوبة 128).
5. وهو، عليه الصلاة والسلام، حَريص على العارفين، يَسقيهم من كؤوس الصَّفا الشَّرابَ المَعين، من أمانيه أن يَعرفَ المؤمنون بَه رَبَّهم حق المعرفَة، ويدركوا من حَقائق التوحيد أكمل صفة.
الشيخ محمد المنور المدني
18 أفريل 2017