حَبيب الله، عَليه الصلاة والسلام
1. ومِن أسمائه الشريفة، صلى الله عليه وسلم، “حَبيب الله“، والحبيب صفة مُشبَّهة ترد بمعنى: مَحبوبٌ، أي الذي تَتَعلق بَه المَحبة. وقد أضيف وصف الحبيب إلى الله أي الذي تعلقت به محبة الله. قال النبي، صلى الله عليه وسلم : “نَحن الآخِرون والسابقون يوم القيامة وإنِّي قائلٌ قولاً غير فَخر: إبراهيم خليل الله، وموسى صفي الله، وأنا حبيب الله، ومَعي لواء الحمد يوم القيامة” (رواه الدارمي، رَحمه الله، عَن عمرو بن قيس رضي الله عنه).
2. والمَحبة درجةٌ في التعلق من أعظم الدرجات، لا ينالها إلا من أحبه الله واجتباه، واختاره من جملة خلقه واصطفاه. وقد جاء من الطائف في وصف مقام الحبيب والتغني به ما يلي: الحبيب قيلَ له: “وَرَفعنَا لك ذِكرَكَ” (الانشراح، 2)، وأعطي بلا سؤال. والحبيب قيل: له “يَومَ لا يخزي الله النبي” (التحريم: 8)، فَأبتُدِئَ بالبشارة قبلَ السؤال، والحبيب قيل له: “إنَّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً” (الأحزاب: 33).
3. وقد أحبَّ سيدنا رسول الله مولاه حباً لا يوصف وكذلك أحب الله حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم محبةً لا يوجد لها مثيل. ومِن أقْسام المَحَبَّة الخلة وهي التي انفرَدَ بها الخَليلان: سيدنا إبراهيم وسيدنا محمد، عليهما الصلاة والسلام، وهي المحبة التي تخللت روحَ المُحب وقَلبه حتى لم يبق موضعٌ لغير المحبوب.
4. وقال الإمام النَّسفي، رضي الله عنه، قال سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام: يا رب أنا كليمك ومحمد حبيبك، فَما الفرق بين الكليم والحبيب؟ فقال الله تعالى: الكَليم يعمل برضاء مولاه، والحبيب يعمل مولاه برضائه، والكليم يحب الله والحبيب يحبه الله، الكليم يأتي إلى طور سيناء ثم يناجي والحبيب ينام على فراشه فيأتي به جبرائيل إلى مَكان في طرفة عين لم يبلغه أحدٌ من المخلوقين. ويظهر هذا الحب في قوله تعالى : “ولَسَوفَ يعطيك ربك فترضى” (الضحى: 4) وفي قوله تعالى: “لَنولينك قبلة ترضاها“. (البقرة 144).
5. وجاء في حديث البيهقي في شعب الإيمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه اتخذ الله إبراهيم خليلاً وموسى نجياً واتخذني حبيباً . يقول أحد العلماء إن سر هذه الحياة يقوم على حرفين اثنين هما الحاء والباء؛ ولذلك قال شاعرهم:
وأحسن حالة الإنسان صدق * وأكمل وصفه حاءٌ وباءٌ
6. ومن آثار محبة الله لنبيه أن انتقلت تلك المحبة إلى صحابته ومن بين ما يروى في هذا الشأن: أنَّ سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه حين مرض النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم ولزم بيته وفراشه، ذهب إليه يعوده، فلما رآه طريح الفراش حزن عليه حزنًا شديدًا. وعندما رجع أبو بكر رضي الله عنه إلى بيته وقع مريضًا حزنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولما شفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مرضه وعلم بمرض الصديق زار النبي أبا بكر رضي الله عنه، وعندما رآه تهلل وجه الصديق، وانبسطت أساريره فرحًا بشفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فقام واقفًا وقد شفى لرؤيته، وأنشد الصديق رضي الله عنه شعرًا معبرًا عن هذا الحب:
مـــرض الحبيب فعدته * فمرضت من أسفي عليه
شفي الحبيب فزارني * فشفيت من نظـــري إليه
7. وجَوهَر مَحبة الله تعالى لنبيه الاصطفاء بحمل الرسالة الشاملة، والاجتباء لتبليغ النبوة الكاملة، وقد زاده تطييبا بلقيا الإسراء والمعراج، ورؤيا لآلئ القرب والتاج، ومخاطبته بكاف الاقتراب ومؤانسته بِبُشرى كشف الحجاب. فهو حبيب الله الأعظم، وسره الأكرم، مَحَلُّ الحب الربَّاني الذي لا يضاهى، ومَركز التداني الذي لا يتناهى.
14 ماي 2017