بسم الله الرحمن الرحيم
هذا نَصُّ المُذَاكَرَة اللطيفة التي جاد بها فَضيلَة الشيخ سيدي محمد المنوّر المدني، في بَيت سيِّدي الصحبي العيساوي، من فُقَراء بَاريس، بمناسبة عقيقة ابنه سيدي لُؤَي العيساوي، وذلك في مدينة Gonesse بضَواحي باريس، يوم السبت 18 ديسمبر 2010.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّد الأوَّلينَ والآخرينَ، وعَلَى صَحَابَته المَيامين، إلَى يَوم الدِّين.
في الحقيقة، نَحن الليلةَ سعداء بثلاث مناسبات، هي ولادة سيدي لؤي، واجتماع الفقراء، وعيد الأعياد هو الهجرة النبوية المباركة التي يقول الحقُّ تباركَ وتعالى في شأنها في الآية الكريمة :” إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (سورة التوبة : اآية 40).
وعلامات النصر المبين هي الحَمَام، ونسج العنكبوت، ومَعية الله، والحفظ الربّاني لهما، فَلا تدركُهمَا الأبْصَارُ، لأنَّهما فَنِيَا في الله، والله لا تُدركه الأبصار، فكأنَّه تَجلَّى عَلَيهما بهذا المظهر.
وكَانَ من نتائج هذه الأنوار الربّانية :المَعيَّة إذْ تَكَرَّمَ الله على سيدنا أبي بكر الصدّيق، رَضيَ الله عَنهُ، بمقام الاثنينية : فَجَعَلَ الله تعالَى سيَّدنا أبا بكر الصدّيق رَضيَ الله عَنهُ، ثَانيَ الرسول صلّى الله عليه وسلّم، في عالم الأرواح، وجعله الصحابيَّ الثانيَ الذي خرج مُهَاجرًا، وثانيَ اثنَيْنِ في الغَار، والثاني في القَبر بعد وفاته فهو مدفون بجانبه، صلّى الله عليه وسلّم، وثانيه في انشقاق الأرض يَومَ الحشر، وثانيه في دخول الجنّة. هذا ما ذكره سيدي الإمام اسماعيل حقّي، في تفسيره روح البيان.
ولكن كيف نال سيدنا أبو بكر الصدّيق، رَضيَ الله عَنهُ، هذه المكَانَة؟
نالها أوَّلا بتصديقه المطلق بالرّسالَة، إذ هو أوَّلُ مَن آمنَ من الرّجال، والثّاني بعد السيّدة خديجةَ.
ونالها ثانيًا بشدة حبه للمصطفى، صلّى الله عليه وسلّم، حيث يروى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، مرض يوما فعَادَه وحبيبه سيدنا أبو بكر الصديق، وعندما رأى أبو بكر سيَّدَنَا محمدًا على هذه الحال
من المرض، مرضَ مِن حزنه عليه، وبَعدَ مَا شفي الحبيب المصطفى وعلم أنَّ صديقه قَد مَرضَ ذهب ليعودَه، ومَا إنْ رَآه سيدنا أبو بكر حتى شفيَ ولَم يعد يشعر بشيء من المرض فقال سيدنا أبو بكر:
مَرضَ الحَبيبُ فَـــــــزُرتُهُ * فَـــمَرضتُ مِن أَسَفِي عَلَيْه
شُفِيَ الحَبـــــــيب فَزَارَنـي * فَـــــــشفيتُ من نظري إليه
كَمَا نالَ هذا المَقَامَ الأعْلَى بخدمة الرسول، صلَّى الله عليه وسلم طيلة حياته.
ومع ذلك، ورغم شدة تفانيه في محبة النبيّ، صلى الله عليه وسلم، فإنَّ أبا بكرٍ، لم يعرف الرسولَ ولم يدرك كنه حقيقته. حتى قال له الرسول، صلَّى الله عليه وسلم:يا أبَا بَكرٍ، والذي بعثني بالحق لم يعلمني حقيقةً غَير ربِّي فاعرفْ ذلك“.
وما يُستفاد اليوم من هذه النفحات العطرة: هو ضرورة المحافظة على الصُّحبَة الصَّالحة، وعلى مزيد المحبة بيننا ولنذكر أنَّ الرسولَ، صلى الله عليه وسلم، بَقيَ ثلاثةَ عَشَرَ عامًا في مكةَ دونَ أنْ يشرّعَ الشرائعَ، وإنما ظلّ يغرسُ المَحَبَّةَ بينَ الصَّحَابَة، والأعراب والقبائل.
وخلاصة القول نرجو أن يكون المسلم عامّةً والفقير المدنيّ خاصة ساعيا إلَى اكتساب العلوم الشرعية والعصرية، عاملا على تزكية نفسه وتطهيرها بذكر الله، مساهما في الحياة الاجتماعية مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم “خير الناس أنفعهم للناس” جامعًا بين الخلق الحسن والفهم لروح عصره، محسنًا بالتقرب إلَى الله بالفرائض والفضائل فتثمرَ في قلبه أنوار التوحيد القرآنية وتشرق في سماء عقله شموس السنة المحمدية.
وفي الختام نسال اللهَ تعالى أن يجعلَ هذا المولود قرّة أعين لوالديه، وأن يَرحَمَنَا ويَرحمَكم، بلطفه وجوده، وبأسرار سورة الفاتحة.