بسم الله الرحمن الرحيم
اجتَهَدَ الشيخُ مُحمّد المَدني (1888-1959) في التَّشريع لِشَعائرِ التَّصوّف ورَبْطها بنُصوص القرآن والسنَّة، في مسعًى منهُ لتَأكيد أنَّ التصوّفَ إنَّما هو رُوحُ الإسلام وركنُهُ الثالثُ (الإحسان)، وأنَّ لسائر الأعمال التي يقوم بها المريدونَ أصلاً يُؤيّدها ونصوصًا، من تلك الأصول، تَعْضِدها. فَقَد خَصَّصَ الشَّيْخُ المدني لهذا الموضوع العديدَ من الرَّسائل والكتابات، لعلّ أهمَّها، على الإطلاق، كتابَ: “بُرهانُ الذّاكرين والردُّ على المُنكرين”، الذي نَضعه اليومَ تَحتَ تصرّف القارئ (في هذه الطبعة الرقميَّة الجديدة)، والذي ركَّز فيه عَلى مشروعيّة التصوُّفِ عُمومًا، وعلى فَضيلة الذّكْر خُصوصًا، مع الوقوف على أنواعه وهَيْئاته (أكانت فَرديَّة أم جَماعيّة، خَفيّة أم جَهريَّة)، وعلى طبيعتِه (تَسابيح واردة في نُصوص الشَّرع أم قَصائد فاضَت بها قرائحُ الشّعراء)، وحتَّى على وَسائِلِه الماديّة (مثل السّبحة والخُلوة). وتضمَّنَ الكتاب، في أجزائه الأولى، عَناصرَ مُفيدة عن سيرة الشَّيْخ أحمد العلاوي (1869-1934) أستاذِهِ، وعَن ظروف التعرّف عليه سنة 1910، أثنَاءَ زيارته لتونس، بالإضافة إلى بَعض المراسلات التي دارت بَينَهما.
وهكذا، تندرجُ رسالةُ: «بُرهان الذاكرين» ضمنَ الحِوار العلميّ الذي طالَما انعَقَد بين الفقهاء والصوفيّة، عبرَ امْتِداد تاريخ الفكر الإسلاميّ، وهو حوارٌ رَجَحَت فيه الكَفَّة إلى مَدرسة الإمام الجنيد (830-910) والغزالي (1058-1111) وأبي الحَسَن الشَّاذلي (1197-1258) وجلال الدين السّيُوطي (1454-1505) وغَيرهم من العلماء الأعلام الذين رَدّوا التصوفَ إلى حَظيرة الكتاب والسنَّة، وأبانوا بِالدَّليل، أنَّه جزءٌ لا يَتَجَزَّأ من الإسلام، بل هو قلبُه النابض والرّوح العميقة في عَقائده وشعائره الظاهريّة.