المعرفة الواضحة في تفسير سورة الفاتحة
تحتل سورة الفاتحة مكانةً مركزيةً في الشعائر الدينية الإسلامية، ولاسيّما الصلاة، وهي تتضمن أهمّ مَقولات الرؤية العقدية مثل: التوحيد والحَمد والدعاء، معانٍ رئيسية في التصور الإسلامي، وتَتَميز هذه السورة بصياغة أسلوبية مكثفة، جَعَلَها تكتنز سائر الوجوه البيانية بالإضافة إلى إيجازها ووضوحها. ولقد أوْلَتها كتب التفسير المَحل الأعلى من الشرح والتدبر والاستنباط، كما أولاها مفسرو الصوفية، في كل عصورهم، أهمية مركزية واعتبروها حاويةً للعلوم الظاهرة والباطنة. فتسابقوا في تفسيرها واستخراج معانيها الإشارية.
وقد جرى الشيخ محمد المدني على هذا السَّنَن وأنجز، هو الآخر، شرحًا مختصراً لهذه السورة عَنْوَنَه: «المَعرفة الواضحة في تفسير سورة الفاتحة»، جريًا على عادته في التزام السجع، ولاسيما في العناوين. هذا وتشير سيرة الشيخ المدني، التي كتبها عنه مُريده وصديقه، عبد العزيز بوزيد (ت. 1966) أنَّ الكتاب لم يُطبع إلى غاية 1965، تاريخ كتابة هذه السيرة، وهو موجود في أرشيف الزاوية -كراس كبير الحجم فيه سائر مؤلفات الشيخ.
في تفسير هذه السورة، بيّن المؤلف أصول التفسير الصوفي عنده، وشرحَ القواعد التي يتبعها في إجراء هذا النوع من القراءة. فيكون بذلك قد ألحق جانباً نظرياً لم يَرد في غيره من المناسبات، شَرَح فيه ما يعتمده من المناهج في التفسير الإشاري للقرآن، مؤكدًا أنَّ المنزع الصوفي لا يتناقض مع المنزع اللغوي والبياني، بل يتكامل معهما، مما يجعله أقرب إلى التفسير بالمأثور في توازن واضح. وقد أتَمَّ الشيخ المدني هذا التفسير الواقع في 24 صفحة يوم جمعةٍ، من شهر جمادى الأولى عام 1339، الموافق لشهر جانفي 1921، وطُبِع مرَّةً واحدة سنة 2002. والملاحظ في الكتاب المطبوع كما في المخطوط غياب «المقدّمة»، إذ يبدأ الكتاب مباشرة بقول المؤلف: «يقول الله تعالى: «الحمد لله»، أيْ إنَّ جميع المحامد …». وهو من التفاسير المختصرة جدّا لسورة الفاتحة استنبط من خلاله معانيها اللطيفة وحلل بعض الأفهام الصوفية على الطريقة الإشارية. وقد سبق صدور هذه الرسالة في كتاب «تفسير الشيخ محمد المدني»، دار الكتب العلمية، بَيروت، بعنايَتنا.
ن. المدني
جوان 2018