سيدي العارف بالله، سالم كركر، رَحمةُ الله عليه، من مواليد 1914 ، في بلدة بوضر، (بولاية المنستير). تَعرَّف على الطريقة المدنية، في بداية الثلاثينات، وكان قد حفظ القرآن وتَمَكَّن من مبادئ العلوم الشرعية واللغوية. وقد كان لسيدي محمد بالحاج البوضري فضل تعريفه على الطريق ومذاكرته، وترافقا إلى الزاوية وبعد مدة وجيزة، لقنه سيدي محمد المدني، رحمه الله، الاسمَ الأعظم، يومَ جمعةٍ، وآخى بَينه وبين سيدي محمد بالحاج ولذلك تحابا في الله إلى آخر لحظةٍ.
وقد أذن لهما الشيخ المدني في السياحة إذنًا مطلقاً في الحضرة والغيبة ولذلك جابا البلادَ التونسية للدعوة والإرشاد، فَاهتدى على أيديهما خلقٌ كثير، لما كانَ رَحمه الله يتميز به من رفعةٍ في الأخلاق، وعلوٍّ في الهمة، حتى سمِّيَ “صاحب الهمة العالية”، وسمي “المَتوحف” لجمال صوته في الإنشاد، ولطف مذاكرته في الإرشاد. وقد تَرَكَ قَصيدتَيْن بلغا الغايَة في الفَهم عن الله وهما ألله الله عبدك ناداك ويا سائق الأضعان للمدينة.
زَاره، يومَ وفاته، سيدي الناصر كشيدة وسيدي الحاج حسن بن حسين (من شراحيل) وظل ثلاثتهم يَتَذاكرون، وأثناءها فَاضت روحه الطاهرة وهو يذاكر وقد بلغ أربعين سنةً، وشهد جنازته سيدي الشيخ محمد المدني وبكاه بكاءً حارًا وهو يقول “اليوم أدفن قطعة من كبدي .”
و ظل سيدي الناصر كشيدة يواسي شيخه ويقول:” اصبر يا سيدي فقد مات يذاكر” ولم ينقطع الشيخ المدني من شدة جزعه عن البكاء حتى تجلل سيدي عبد القادر الميلادي وصاحَ متأثراً : “الله الله يا سيدي الشيخ أنت الذي تواسينا، لا نحن “.
رحم الله سيدي سالم كركر، كان من كان من سادات الرجال، راحَ شَخصهُ ورَسمُهُ، وبَقي حاله وعلمهُ، علامة جديدة على صدق أولئك الرجال في الدعوة إلى الله والتذكير بنور هداه وهذه قصيدته نوردها للحفظ، علماً وأن سيدي الحاج حسن الزينة، رحمه الله، كان يديم إنشدها.
اللّـه اللّـه ! عَبـدُك ناداك * يُريــــد قُربَك يُحظَـى بِسناك
حبـيبَ رَبّي! قَلبـي يَهواك * شَيْخـي المُرَبّـي ضاءَ سَناك
مَدَانـي حِبِّـي، سِرّي ناجَاك* صفّـي لي لُبّـي مِن الإشراك
يا طبَّ قَلبـي! طالِب رِضاك * بِسِرِّ القُـــــــرْب رَبّـي يَرعـاك
رُوحـي تُلَبّـي عنـدَ نِداك * بالخِطاب القَلبيّ خَصّك مَولاك
خَمْـرتك تَسبي كُلّ مَن جَاك * صــادِق في الـحبِّ لَيسَ أفّاك
في حَضرَةِ رَبّي يُلاحظ عُلاك * يَرْوَى بالشُّـــــــربِ عنـدَ لقاك
شكـرًا يا رَبّ. نَفْعَه دَواك* انْتَظَم في الحِزب وشَرب مَعاك
جَـدِّدْ في الطّـلب لأنَّ ذاكَ * يُزيــــــــل الكَـرْب بِفَضْل هُداك
مِن بَحـر الغَيْب بِلا انْفكاك* أزَالَ ثَـوبـي لَمّــــــــــــــــا رَآك
كنـزًا بالـذّهب غَشَّاه بَهاك* فَنَــى فِي القُرب وبَقى ببقاك
فامْنَـح لِقلبي نَظـره بِرضاك* بِحَــــــقِّ الـحُبِّ واللّـي هَداك
إلَـى بَحـر الغيب، مِنه سَقاك* مِـن حَوضِ العَـربي حَقّا أرْواكَ
اسْتَجب لِطَلْبـي بِصالح دُعاك* احْفَظْنا من السّلبِ بَعدَ عَطاك
صلِّ يا رَبِّ عَلى نُور مُصطفاك* النّـبــي العَـربي هُو نُور هُداك
وأرْضِـه يا رَبّ يـومَ لِقاك* يَشْفَع في ذَنـب كلِّ مَن يَهواك
تقديم: ن. المدني، باريس، 16 أكتوبر 2016.