أيها السّادة الكرام:
1- مِِن رقائق الإرشاد الغالية التي أظهرها النبيء، صلى الله عليه وسلم، للصحابة مهاجرينَ وأنصارًا، معاهَدَتُه لهم على أداء الطّاعات واجتِناب المَنهيات، ولذلكَ كان العَهد من سُنن الطريق وشعائره، وهو مستمدٌّ من قول الله تعالى، في الذكر الحكيم : ” وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيه أَجْرًا عَظِيمًا “(الفتح:الآية، 10)، وقال جلَّ شأنه:” وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً “(الإسراء:الآية34)،
2- كما تَضمّنت كتب السيرة النبويّة أخبارًا ثابتة بوقوع البيعة و العهد من الصحابة لسيّدنا محمّدعليه الصّلاة والسّلام، رجالا ونساءً،فقد قال، :”ب ايِعوني على أنْ لا تشركوا بالله شيئًا،ولا تَسرقوا،ولا تَزنـــــــــــوا،ولا تَقتــــــــلوا أولادَكم،ولا تَأتوا ببهتانٍ تَفترونَه بَينَ أيديكم وأرجلكم،ولا تَعصوني في مَعروفٍ.فَمن أوْفى مِنكم فَأجرُهُ على الله،(…) قال: فَبايَعْناه على ذلك”.
3- وقد عَرَّف الإمام الجرجاني العَهدَ اصطلاحًا بكونه “حفظُ الشيءِ ومُراعاتُه حالاً بعد حالٍ”، وهو المعنى المتحقّق في العهد عند الصوفية حيث يأخذ المريدُ العهدَ مصافحةً من شيخه أو ممّن يكلّفه الشّيخ ،على أن يحافظ على الواجبات والآداب الشّرعية وأن يراعيَ ما يُلقنُّه الشّيخ من الأوراد والأذكار،وبِهذا العهد يحصل نوعٌ من الإلتزام المعنوي يَدفع المريد إلى الانتقال من حياة الغفلة والغيريّة إلى حياة الفتح والإقبال على الله بالكليّة.ويكون العهد بمثابة الصحبة المباركة بين الشّيخ المربي ومُريد الوصول إلى معرفة الحق تبارك وتعالى كغاية أساسية عبرَ التخلّي عن الرذائل والتَحَــلِّي بالفـــضائل للتحــقّق بركن الإحسان والتَّرقّي في مقاماته.
4- ومن الثابت أن العهدَ يُؤخَذ في الحقيقة من الله سبحانه وتعالى، لا من البشر، قال أهل الحقيقة: “آيةُ ” إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ” مثل قوله تعالى: ” مَن يُطِعِ الرسول فقد أطاع الله “، فالنبيء قد فَنِي عن وجوده بالكلّية وتحقّق بالله في ذاته وصفـــاته وأفعـــاله، فَمبايعــــته مبايعـــةٌ لله كـــما أنّ طاعته طاعة الله”.
والعهد في الطريقة المدنية نهج نبويّ أكّد عليه سيّدي الشّيخ محمّد المدني، رَحمه الله، في الحكمة :عدد 41
“[vert]الوَفــــاء بالعهــــد والثّبــــات على الوِدِّ من أجمل ما يتزيّن به المريد[/vert]”
6- والخلاصة أنَّ معاهدة الشّيخ تعني الأخذ والتّلقي وهي ترمز لمعاهدة الله سبحانه وتعالى،كما أنّها بمثابة تجديد لِمبايعة المصطفى عليه الصّلاة والسّلام،ومَناط الأمر كلّه هو التزام المريد بصالح الأعمال مَع المولى عَزَّ وجلَّ، ولذلك ينبغي ألا ننسى المُبايَع الحقيقي (بفتح الياء) أي الله تبارك وتعالى.
فَاذكروا اللهَ تعالى واشكروه يَزدكم من فضله وصلّوا على أفضل المخلوقات تَدخلوا في شفاعتـه.
*مقتطف من خطبة المولد النّبوي الشّريف التي ألقاها يوم 12 ربيع الأنور 1437 هجري الموافق الخميس 24 ديسمبر 2015 ميلادي شيخ الطّريقة المدنيّة محمّد المنوّر المدني.
الزاوية المدنية، 03-01-20016