كان المَغفور لَه بإذن الله تعالى، سيدي الشيخ الحَاج مَبروك بالحاج المدني، رَحِمَه الله، مِن بَين العارِفين الأتقياء، والصَّادقين الأوفِياء، الذاكرين الأصفياء. مِن أصلاء مَدينة صَفاقس الفَيحاء، وبِها وُلِدَ في العشرينات من القَرن الماضي. في بِدايَة الأربعينات، تَعَرَّف عَلى سيدي الحاج حَسونة عَبد الهادي (والد سيدي الشيخ الطاهر عبد الهادي رَحمهم الله جميعًا)، وأخَذَ عَنه طَريقَ القوم، ولازَمَه مُلازمَة صدقٍ ووفاء. وتَلقى بَعدها أنوار العلوم الظاهرة والباطنة عَلى سيدي الشيخ محمد المَدني وجالَسَهُ حتَّى صارَ من خيرَةِ أبنائهِ الميامين، الذينَ اشتَهروا بالصدق والهُدوء والسَّكينَة والبَهاء.
كما اشتَهَرَ بعذوبة صَوتِهِ الساحر، ورقَّة حاله الفاخر، جمالٌ لا يتناهى وصفاءٌ لا يُضاهى، ولا سيما حين ينبري ينشدُ قَديمَ القَصائدالرائعة مِثل الحَجرية والهَمزية والمحجوبية في الموالد والمناسبات، رفقَة إخوانه الفقراء مثل سيدي الشيخ البشير العبيدي، وسيدي الشيخ الطاهر بن عُمر، وسيدي الشيخ الطاهر عبد الهادي…
ومِن بَين مَآثِرِهِ الحميدة التي لا تزالُ آثارها أنَّهُ عَملَ عَلى جَمع الحِكَم المدنيَّة وتَرتيبها حسب المَحاور، بالتعاون مع سَيِّدي الشيخ الطاهر عبد الهادي وسيدي محمد تقتق، فَصارت تلكَ الحِكَم تَشهد بمدى رقائق فَهمهِ لأصول الدين وفنون الطريق ولطائف المَعرفَة.
ومعَ زُهدهِ زاولَ مِهنَةَ التجارة، وكان فيها عِصاميَّ التكوين، يُتقنُ العَديد من اللغات، وكانَ مَتجَره المتواضع قبلةً للفقراء، فيهِ يَلتَقونَ للتذاكر والتوادّ.
واصَلَ الاجتماعات الربَّانيَّة واللقاءات النورانيَّة إلى أن انتقلَ إلى جوار ربهِ الكَريم، سَنَة 1997، بَعدَ أن خَلَّفَ ذريَّةً صالحة، تَدعو له بالخير، وإنَّا نَظُنُّه عندَ الله من المَقبولين.
نعم. سَيدي الشيخ الحاج مبروك بالحاج، عَلَمٌ آخَرُ من أعلام الصِّدق المَنشورَة، ولَمْعَة من بِحار الهُدى المَسجورَة: أخلاقًا مُحمديَّة رائعَةً، وشَمائلَ قرآنيَّة لامعة… مجالي تَقوًى وصَلاحٍ ما اعتَراها الفتور، لا ولا أضعفها مَرُّ الأيام والشهور، كان رضي الله عنه من دلائل صِدق الشيخ المَدَني في خِدْمِته لِرَبِّهِ، بَل ومن مَظاهر إخلاص رَسول الله في قيامهِ بحقوق الله.
رَحمه الله رَحِمةً واسعة وأغدق عليه شآبيب الرحمة والغفران.
ن. المدني.
الزاوية المدنية، 18 ماي 2015.