الجهر بالذكر من أجلِّ القُربَات وأفضل العبادات التي يُتَقَرَّب بها إلى خالق الأَرَضِين والسَّموات، الله. وهَذه نُبذةٌ من الأدلَّة التي تُثبتُ مشروعيةَ الجَهر بالذِّكر الجَمَاعيِّ.
[red]I- الأدلة من القرآن: [red]
1- قَالَ الله تعالى: “الذَّينَ يَذكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم“. (سورة: آل عِمرَان، الآية: 191).
2- قال تعالى: “وَالذَّاكِرينَ اللهَ كَثيرًا وَالذَّاكِرَاتِ، أَعَدَّ اللهُ لَهم مَغفرَةً وَأَجْرًا عَظيمًا“. (سورة: الأحزاب الآية: 35).
3- قَالَ تَعالى: “يَا أيُّهَا الذينَ آمَنُوا آذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كثيرًا وًسَبِّحوهُ بُكْرَةً وأصيلاً“. (سورة الأحزاب: الآيات: 41- 42﴾.
[red]II- الأدلة من السنة المطهرة: [/red]
4- عَن أَبي هريرةَ رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلَّى اللهُ عَلَيْه وَآلِه وَسلّم: “إنَّ لِلهِ ملائكةً يطوفون في الطرق يَتَلَمَّسون أهلَ الذِّكرِ، فَإذَا وَجَدُوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هَلُموا إلى حاجتكم. قال: فيحفُّونَهم بأجنحتهم إلى السَّمَاء الدّنيا. قال: فيسألهم ربُّهم وهو أعلم منهم: “مَا يقول عبادي؟ قال: يقولون يُسَبِّحونك ويكبِّرونَكَ ويَحمَدُونكَ ويمجدونك. قَالَ فيقول: هل رأوني؟ قال فيقولون لا والله ما رأوكَ قالَ: فيقول: كَيف لَو رَأَونِي؟ قال يقولون: “لو رأوك كانوا أشدَّ لكَ عبادةً وأشدَّ لك تَمجيدًا وأكثر لك تسبيحًا”، قال يقول فما يسألوني؟ قال: يسألونَكَ الجَنَّةَ قَالَ: يقول: وهل رأوها؟ قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول فكيف لو أنهم رأوها؟ قال فيقلون لو أنهم رأوهَا كانوا أشدَّ عَليها حرصًا وأشدَّ لها طلبًا وأعظم فيها رغبة قال فمم يتعوذون ؟ قال: يقولون من النار”. قال يقول وهل رأوها ؟ قال يقولون لا والله ما رأوها. قال يقول فكيف لو رأوها؟ قال يقولون لو رأوها كانوا أشدَّ منها فرارًا وأشدًّ لها مخافةً. قال فيقول : “فأشهدكم أني قد غفرت لَهم”. قَالَ يقول مَلكٌ من الملائكة: “فيهم فلانٌ ليس منهم إنما جاء لحاجة”. قال: “هم الجُلَسَاءُ، لاَ يَشقَى بهم جليسُهُم“.
أخرجه البخاري (8/107) ومسلم (8/68) والترمذي (3600) وأحمد (2/251).
5- عَن جابر رضي الله عنه قال: “خرجَ علينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: “يا أيّهَا الناسُّ، إنَّ لِلهِ سَرَايَا من الملائكة تَحُلُّ وَتَقِفُ عَلَى مَجَالس الذكر في الأرض، فَارتَعُوا فِي رِيَاضِ الجَنَّةِ”. قَالُوا وأينَ رياضُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: مَجَالِس الذكر فاغدوا وروحوا في ذكر الله وذكروا أنفسكم من كان يحب أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده فإن الله ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه“.
(أخرجه الحاكم في المُستدرَك وَصَحَّحه (1820) والبَزَّار (3064).
6- عَن أَنَس رضي الله عنه قال: “قالَ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: “إذَا مَرَرتُم برياض الجنة فَارتَعُوا“. قالوا: “يَا رَسول الله، وَمَا رياض الجنة؟” قال : “حِلَق الذكر”.
7- عن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: “ما يجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده فقال: إنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة“.
(أخرجه أحمد (14/205) والترمذي (3379).
8- عَن عبد الرحمن بن سهل بن حَنيف رضي الله عنه قال: “نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بعض أبياته: “واصبر نفسكَ مَعَ الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي” (سورة الكهف الآية (28)، فَخَرَجَ يلتمسهم فَوَجَدَ قَومه يذكرون الله تعالى، منهم ثائرَ الرأس وجافَ الجلد وذو الثوب الواحد. فلما رآهم جلس معهم وقال: “الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم“. (الحاوي للفتاوى للإمام السيوطي مجلد 2 ص 27 رقم 1.)
وفي رواية لأحمد في الزهد عن ثابت قال: كان سلمان في عصابة يذكرون الله فمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكفوا فقال: «ما كنتم تقولون؟ قلنا نذكر الله قال: إني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها ثم قال: الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم». فكف سيدنا سلمان وأصحابه عن الذكر لقدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم دليل على أنهم كانوا يجهرون فيه قبل قدومه وهذا دليل الجهر به.
9- عن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال: قال ابن الأدرع :”انطلقت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلةً، فمر برجل بالمسجد يرفع صوته، قلت: “يا رسول الله عسى أن يكون ذلك مرائيا”؟ قال: “لا ولكنَّه أوَّاهٌ“. وفي رواية عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل يقال له ذو البجادين : “إنه آواه“. وذلك أنه كان يذكر الله.
(أخرجه أحمد: المسند 4/159).
10- قال الحسن بن مسلم: كان رجل من أهل نجد إن دعا رفع صوته وإن صلَّى رَفعَ صوته وإن قرأ رفع صوته فشكاه أبو ذر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: “يا رسول الله إن هذا الأعرابي قد آذاني لئن دعا ليرفعنَّ صوتَه، ولئن قرأ ليرفعن صوته“. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم “دَعهُ، فإنَّه أوَّاهٌ”
(أخرجه عبد الرزاق في المصنف:6559).
11- عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سَلَّمَ من صَلاَته قال بصوته الأعلى : “لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك لَه، لَه الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ولا حولَ ولاَ قوةَ إلا بالله” .
رواه مسلم (594) والترمذي (299).
12- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “مَن دَخَلَ السوقَ فقال: “لاَ إلهَ إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير”، كَتَبَ الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة وبنى له بيتا في الجنة“.
وَفي بعض طرقه (فنادى) أخرجه الحاكم (1974).
13- عَن شَدَّاد بن أَوس رضي الله عنه قال: “كُنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال: “هل فيكم غريبٌ؟” قلنا : لا يا رسول الله فأمر بغلق الباب فقال: “ارفَعوا أيديكم فقولوا :”لاَ إلهَ إلا اللهَ” فَرفَعنَا أيدينا ساعةً ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده ثم قال: “الحمد لله، اللهمَ إنَّكَ بَعثتَني بهذه الكلمة وأمرتَني بها وَوَعدتني عليها الجنة، إنَّكَ لاَ تخلف الميعاد. ثم قال: “أبشروا فإن الله قد غَفَرَ لَكم”
(أخرجه الحاكم: 1844).
14- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدي بي، فَإن ذَكرنِي في نفسه ذكرته في نفسي ، وَإنْ ذَكَرَني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منه“.
(أخرجه البخاري (6970) ومسلم (2675) وأحمد (14/268) والترمذي (2388).
33- ذكر البخاري في باب الذكر بعد الصلاة: “حدثنا إسحاق بن نصر قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عمرو أن أبا معبد مولى ابن عباس أخبره: أنَّ ابن عباس رضي الله عنهما أخبره أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلَّمَ وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كنت أعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير”.
أخرجه البخاري: 805 – 806، ج 1 ص 168
15- عن أبي سعيد الخدريِّ وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:”مَا مِنْ قومٍ يذكرون اللهَ إلاَّ حَفتهم الملائكة وَغَشيتهم الرحمةُ، ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عِنده“.
16- أخرج بقية بن مَخلَد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ بمجلسين أحد المجلسين يدعون الله ويرغبون إليه والآخر يعلمون العلم فقال: “كلا المجلسين خيرٌ، وَأحدهما أفضل من الآخر“.
17- عن عبد الله بن مُعضلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “مَا مِن قَومٍ اجتمعوا يذكرون اللهَ لا يريدون بذلك إلا وجهَه، إلاَّ نَادَاهم منادٍ من السماء أنْ قُومُوا مَغفورًا لكم قد بدِّلَتْ سيئاتِكم حسنات“.
أخرجه أحمد (14/202) وأبو يعلى (4141) والبزار (3061) والطبراني في الأوسط (1579) والهيثمي في مجمع الزوائد (16764).
18- أخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: “ألا أدلك على ملاك الأمر الذي تصيب به خيرَيْ الدنيا والآخرة ؟ قال: بلى، قال: “عليك بمجالس الذكر وإذا خلوت فحرك لسانك بذكر الله“.
19- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “يقول الرب تعالى يوم القيامة : سيعلم أهل الجمع من أهل الكرم، قيل: ومن أهل الكرم يا رسول الله ؟ قال: أهل مجالس الذكر في المساجد“.
أخرجه احمد (14/2059 وأبو يعلى (1046) و(1403) وابن حبان (816) والهيثمي في مجمع الزوائد (16763).
20- عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “لئن أذكر الله تعالى مع قومٍ بَعدَ صَلاَةِ الفجر إلى طلوع الشمس أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس ولئن أذكر الله مع قوم بعد صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس أحب إلي من الدنيا وما فيها“.
ذكره السيوطي في الجامع الصغير: 7199 ورمز لحسنه).
21- عن أبي الجوزاء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “أكثروا ذكر الله حتى يقول المنافقون إنكم مراؤون”
ذكره السيوطي في الجامع الصغير: 1398).
22- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون“.
23- وعن السائب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “جاءَني جبريل فقال: “مُر أصحابك يرفعوا أصواتهم بالتكبير“.
أخرجه أحمد (11/180) وأبو داود (1814) والترمذي (829) وصححه النسائي (2752) وابن ماجه (2923) والحاكم (1653) وابن خزيمة (2628).
24- ورد في تفسير القرطبي في شرح قوله تعالى: “وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ”. وقال عكرمة ومقاتل: أراد بالناس أهل اليمن. وذلك أنه ورد من اليمن سبعمائة إنسان مؤمنين طائعين. بعضهم يؤذنون، وبعضهم يقرؤون القرآن وبعضهم يُهَلِّلون؛ فسُرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك، وبكى عمر وابن عباس”، ج. 20، ص. 157.
[red]III- الأدلة من الآثار وأقوال العلماء: [/red]
أخرج المروزي في كتاب العيدين: “كان كل من عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما يأتيان السوق أيام العشر فيكبران، لاَ يأتيان السوق إلا لذلك“.
وكذلك نقل عن سيدنا عمر أنه كان يكبر في قبته فيكبر أهل المسجد فيكبر أهل السوق حتى ترتجَّ مِنَى تَكبيرًا.
وقال ميمون بن مهران: “أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العَشر حتى كنت أشبهها بالأمواج من كثرتها”.
26- أخرج ابن جرير في تفسيره عن سيدنا ابن عباس في قوله تعالى “فما بكت عليهم السماء والأرض” سورة الدخان الآية (29). قال : إن المؤمن إذا مات بكى عليه من الأرض الموضع الذي كان يصلي فيه ويذكر الله فيه.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي عبيد قال: “إن المؤمن إذا مات نادت بقاع الأرض: عبد الله المؤمن مات فتبكي الأرض والسماء فيقول الرحمن ما يبكيكما على عبدي؟ فيقولون: ربنا لم يمش في ناحية منا قط إلا وهو يذكرك”. فلو لم يكن الذكر جهرا لما سمعته الأرض والجبال.
27- ذكر ابن الجزري في كتاب الحصن الحصين: “أن كل ذكر مشروع أي مأمور به في الشرع واجبا كان او مستحبا لا يعتد بشيء منه حتى يتلفظ به ويسمع نفسه“.
28- قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه الله تعالى:”وَأجمعوا على انه يجب على المريد الجهر بالذكر بقوة تامة بحيث لا يبقى منه متسع إلا ويهتز من فوق رأسه إلى إصبع قدميه“، الأنوار القدسية (1/38).
29- قال الشيخ ابن عطاء الله الاسكندري: “إنْ كان الذاكرون جماعةً فالأولى في حقَّهم رفعُ الصوت بالذكر مع توافق الأصوات بطريقة موزونة، فذكر الجماعة على قلبٍ واحدٍ أكثر تأثيرا وأشدَّ قوةً فترفَعُ الحجبُ عَن القَلب“.
30- ذكرَ الإمام النووي رحمه الله: “الجهرُ بالذكر -حيث لا محذورَ شرعًا- مشروعٌ مندوبٌ إليه بل هو أفضل من الإخفاء في مذهب الإمام الشافعي وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد وإحدى الروايتين عن الإمام مالكٍ بنقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري وهو قول قاضيخان في فتاويه وقد قال العلامة الطحاوي في حاشيته على مراقي الفلاح: “لا يمنع من الجهر بالذكر في المساجد احترازا عن الدخول تحت قوله تعالى: “ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه” (سورة البقرة الآية:114﴾ كتاب: مَرَاقي الفلاح ص 208″.
31- قال الشيخ حسين مخلوف رحمه الله تعالى : “الأحاديثُ الصحيحة مَعَ إثباتها مشروعيةَ الجماعة وفضلَها في الذكر تثبت الجهريةَ أيضًا وفضلَه فيه لأنَّه هو الذي صيرهم جماعةً كما هو المعهود لغةً وعرفًا (…) وبالتأمل في عموم الآيات والأحاديث وما نقله الألوسي في آية الدعاء تعلم أَنَّه لا وجهَ للقول بكراهةِ الجهر بالذكرِ جماعةً إذا خلاَ من الموانع الشرعية ولم يكن فيه إخلالٌ بشيءٍ من آدابه المعروفة“.
32- أورد الإمام الغزالي، في تفسير قوله تعالى: “فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم”، (سورة النساء الآية 103)، قولَ ابن عباس رضي الله عنهما: “أَيْ بالليل والنَّهار في البرِّ والبَحرِ والسَّفَر والحَضَر والغنى والفقر والمرض والصحة والسرّ والعلانية“، في كتابه مكاشفة القلوب المقرّب إلى علام الغيوب ” طبعة 2005 ص 266. ويقول الإمام الطاهر بن عاشور في تفسير هذه الآية نفسها: “والمراد من الذكر هنا ذكر اللسان والتحميد، فَقَد كَانُوا فِي الأَمن يجلسونَ إلى أَن يَفرغُوا من التسبيح وَنَحوهِ، فرخّص لهم حين الخوف أن يذكروا الله على كل حال”. (التحرير والتنوير ج 5 ص 1020).
33- قالَ الإمام جلال الدين السيوطي: “إنَّ الذاكرين إذا كانوا مجتمعين على الذكر فأولى في حَقِّهم رَفْعُ الصوت بالذكر والقوة. فَقُوَّة ذكر جماعةٍ مجتمعين على قلب واحدٍ أشدّ من قوة ذكر شخص واحد”. (…) وإذا تأمّلت ما أوردناه من الأحاديث عرفت َمن مجموعها أنّه لا كراهة البتّة في الجهر بالذكر، بل فيها ما يدلّ على استحبابه، إمّا صريحا أو التزاما. (كتاب: نتيجة الفكر في الجهر بالذِّكر).
34- يقول سيدي محمد المدني: “إنَّ التعاونَ عَلَى البرّ والتقوى مَأمورٌ به شرعًا، “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” (المائدة: 20 )، وَمنَ المعلوم أنَّ من أَنواعِ البِرِّ -إنْ لَم نَقلْ هو رَأس البِرِّ- هو ذكرُ اللهِ تَعالَى. ومن أقوال العلماء الأعلام نَقتصر على قول الإمام المجتهد سفيان بن عيينة رضي الله عنه قال: “إذَا اجتمعَ قومٌ يذكرون الله عزّ وجلّ، اعتركَ الشّيطان والدّنيا. فيقول الشيطان للدنيا: “أَلاَ تَرينَ مَا يَصنعون؟” فَتقول الدنيا: “دَعهم فَلَو تَفرَّقُوا لَأخذت بأعناقهم”. وَلَعلَّ المنتقد يقول إن الجمع على الذكر لم يقع فعلاً في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول له بعد التسليم لهاته الدعوى: “وهل استحقرتَ أقوالَه صلى الله عليه وسلم ولم تعتبرها كأفعاله أما علمت ما تقرر في القواعد الأصولية من أن قوله صلى الله عليه وسلم حجّة كفعله وتقريره، نعم إن عدم الإطلاع صيّر الموجود في حيّز الامتناع. وإلا فمجالس الذكر كانت في عهده صلى الله عليه وسلم يشهد لذلك ما أخرجه الإمام أحمد في الزهد عن ثابت قال :كان سلمان في عصابة يذكرون الله تعالى، فمرّ النبي صلى الله عليه وسلم فكفوا فقال: “إني رأيت الرّحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها“، رواه أحمد والحاكم ويختم الشيخ محمد المدني هذا الباب بقوله: “الجهر بالذكر ورفع الصوت به مشروع في العبادات كلها إفراطه، وتوسطه، وخفضه وهو عبادة مستحبة في حق الخواص من العلماء والأولياء والأتقياء لما فيه من دواعي الاهتداء والسبب الباعث على الإقتداء“.
كتاب برهان الذاكرين للشيخ محمد المدني الطبعة الثالثة 2007 ص 50 وبعدها.