اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آل سيدنا محمد صاحب الوجه الجميل والجبين الوضاح، ونور بصائر الواصلين إلى حضرة الكريم الفتاح.
يقول الحق تبارك وتعالى في الذكر الحكيم وهو أصدق القائلين : فِي بُيوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرُ فِيها اسْمُهُ يُسَبّحُ لهُ فيهَا بالْغُدُوِّ والآصالِ. صدق الله العظيم.
المساجد بيوت الله فيها يعبد. و فيها يُذكر إسمه وإنّ من شأن الكريم أن يكرم من زاره في بيته وإنّ المساجد في الأرض مزار الملائكة في السماء. منها تصعد الأعمال وإليها تنزل الرحمات، تبنى المساجد لإقامة الشعائر وإظهار أعلام الدين، تبنى المساجد فيفرح ببنائها أهل السماء والأرض ويجعلها الله مهبط الرحمة والرضوان فهنيئا لمن شيدها ، وهنيئا لمن تعبد فيها ، وتشهد المساجد يوم القيامة على لمن بناها وأحياها بالذّكر والطاعة وجاء في الحديث القدسيّ عن ربّ العزّة: إنّ بيوتي في الأرض المساجدُ وإنّ زُوّاري فيها عمّارها فطوبى لمن تطهّر في بيته وزارني في بيتي وحقٌّ على المَزُورِ أن يكرم زائره. وجاء في حديث آخر أنّ الله تبارك وتعالى قال : عبدي زارني وعليَّ قِراهُ ولنْ أرضى له قِرًى دون الجنة. وجاء في الصحيحين أن النبيء صلى الله عليه وسلم قال: من بنى لله مسجدا بنى الله له كهيئته في الجنة، وفي رواية بنى الله له بيتا في الجنة. وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم يُنتفَعُ به أو ولد صالح يدعو له . رواه مسلم. وجاء في رواية ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . إنّ ممّا يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته ، علما نشره ، وولدا صالحا تركه ، ومصحفا ورّثه ، ومسجدا بناه ، وبيتا لابن السبيل بناه، ونهرا أجراه، وصدقة أخرجها من ماله في صِحّته وحياته تلحقه من بعد موته.
وقد أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الذين يحبون المساجد ويرفعونها بالذّكر والعبادة ويحفظونها من الأشياء الغير اللائقة بها يحفظهم الله في الدنيا والآخرة. رَوَى سيدنا أنس بن مالك عن النبيء صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحبّ أصحابي فلْيُحبَّ القرآن ، ومن أحب القرآن فليحب المساجد فإنها أفنيةُ الله أبنيته أذن الله في رفعها وبارك فيها ، ميمونة ميمونٌ أهلها ، محفوظة محفوظ أهلها . هم في صلاتهم والله عزّ وجلّ في حوائجهم. هم في مساجدهم والله من ورائهم. وقال سيد الوجود صلى الله عليه وسلم: يأتي الله يوم القيامة بمساجد الدّنيا كأنها نجائب بيض، قوائمها من العنبر وأعناقها من الزعفران، ورؤوسها من المسك، وأزمّتها من الزبرجد الأخضر وقُوَّامها المؤذّنون فيها، يقودونها ، وأئمّتها يسوقونها وعُمّارها متعلّقون بها . فتجوز عرصات القيامة كالبرق الخاطف فيقول أهل الموقف هؤلاء ملائكة مُقرَّبون أو أنبياءُ مرسلون ؟ فيُنادَى ما هؤلاء بملائكة ولا أنبياء، ولكنهم أهل المساجد المحافظون على الصلوات من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم.
لذا فإنه يجب على المؤمنين أن يصونوا المساجد من العبث والصخب والخصام وارتفاع الأصوات والأوساخ وغير ذلك ممّا يفقد المسجد حرمته. فقد ورد أن الإمام البخاري رحمه الله كان يوما في المسجد وحوله أصحابه للدرس في العلم فرأى بعضهم على لحيته قشة فرماها عن لحيته في المسجد فأخذها الإمام البخاري رضي الله عنه وصرّها في خرقة وأخرجها ورماها خارج المسجد وقال للذي رماها عن لحيته أنت ما رضيت أن تكون هذه القشّة على لحيتي وأنا عبد الله وابن آدم فكيف أرضى أن أرميها في بيت ربّي وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وسمع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه صوت رجل في المسجد فقال ما هذا الصوت أتدري أين أنت ؟
وقال سيد الجود عليه الصلاة والسلام لمعاوية بن الحكم السُّلمي . إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنّما هوّ التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ورُوي عن الحكم بن عمير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال عليه الصلاة والسلام. كونوا في الدّنيا أضيافا . واتخذوا المساجد بيوتا وعوّدوا قلوبكم الرّقة وأكثروا التفكر والبكاء ولا تختلف بكم الأهواء تبنون ما لا تسكنون. وتجمعون ما لا تأكلون وتؤملون ما لا تدركون ـ انتهى ـ
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيكون في آخر الزمان رجال يأتون المساجد فيقعدون حلَقًا حِلَقًا ذكرهم الدنيا وحبها ، فلا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة
ورُوي أن سيدنا عيسى عليه السلام أتى على قوم يتبايعون في المسجد فجعل رداءه مخراقا ثم جعل يسعى عليهم ضربا ويقول يا أبناء الأفاعي اتخذتم مساجد الله أسواقا هذا سوق الآخرة (المخراق : ثوب يلَفُّ ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا).
وقد جمع العلماء في ذلك خمس عشرة خصلة فقال: من حرمة المسجد
1. أن يسلم وقت لدخول إن كان القوم جلوسا وإن لم يكن في المسجد أحد قال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
2. وأن يركع ركعتين قبل أن يجلس.
3. وأن لا يشتري فيه ولا يبيع.
4. ولا يُسلّ سهما فيه ولا سيفا.
5. ولا يطلب فيه ضالة.
6. ولا يرفع فيه صوتا بغير ذكر الله تعالى.
7. ولا يتكلم فيه بأحاديث الدنيا .
8. ولا يتخطّى رقاب الناس.
9. ولا يُنازع في المكان.
10. ولا يضيّق على أحد في الصف .
11. ولا يمر بين يديْ مصلّ.
12. ولا يبصق. ولا يتنخّم. ولا يتمخط فيه .
13. ولا يفرقع أصابعه. ولا يعبث فيه بشيء من جسده.
14. وأن ينزهه من النجاسات والصبيان والمجانين وإقامة الحدود.
15. وأن يكثر ذكر الله تعالى ولا يغفل عنه.
فإذا فعل هذه الخصال فقد أدّى حقّ المسجد. وكان المسجد حرْزًا له وحصنا من الشيطان الرّجيم.
وإن خير بقاع الأرض المساجد يجد فيها المؤمن راحته القلبية ونعيمه الرّوحي وعندما يخرج من المسجد يجد نفسه متزوّدا بالاطمئنان وقلبه معلّق بالمسجد ينتظر وقت الصلاة ليعود إليه ليأخذ شحنة أخرى من النور لأنه مأوى الخاشعين ومكان التائبين والباكين على ذنوبهم والنادمين على ما اقترفوا من السيئات.
يقول الله تعالى: وأَنَّ المساجدَ للهِ فلا تدْعوا معَ اللهِ أحدًا. صدق الله العظيم.
وفي هذا القدر كفاية والله يتولانا وإياكم بعين الرعاية
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.