بسم الله الرحمان الرحيم
دَرجَ الكَاملونَ مِن أَهل اللهِ الوَاصلينَ عَلَى خِدمَة كتاب الله العَزيز والتَّفَانِي في حفظِه وفهمه والعمل به، وتفسيره. وهذا الشيخ سيدي محمد المدني رَحمَه الله يَتَغَنَّى بجمال القرآن، ويَرَى فيه نبراسًا للأرواح وعينًا للرحمة. وإنما نثبتُ هَذَا المَقطع لنقتديَ بهذا الشيخ الكامل في مَحَبَّته للقرآن وتفانيه في خدمته حتى صارَ يَجري منه مَجرَى الرّوح:
1- أَيْ إنَّ هَذَا المَتْلُوَّ عَلَيكُمْ قُرآنٌ كَريمٌ، أَيْ مُكَرَّمٌ فِي نَفْسِه، وكَثيرُ الكَرَمِ لِكُلِّ مَنْ قَصَدَهُ، وَمَدَّ لَهُ يَدَ فَهْمِهِ فَيُعْطِيهِ مِنْ ثَمْرَةِ مَعانِيهِ مَا تُنْتِجُه رِياضُ مَبَانِيهِ، فَيَسْتَضيءُ بِنُورِهِ المُهتَدونَ، ويَسْتَدِلُّ بِآيَاتِهِ الفُقَهَاءُ والمُوَحِّدونَ، ويَسْتَمِدُّ مِنْ حِكْمَتِهِ الحُكَمَاءُ، ويَسْتَفِيدُ مِن بَلاَغَتِهِ الأدَبَاءُ.
2- فَالقرْآنُ مَلْجَأُ القَاصِدينَ وَمَرجِعُ المُسْتَرْشِدينَ، ورِياضُ العَاقِلينَ وبُستَانُ العَارِفينَ، وهْو أصْلٌ لِجمِيعِ العُلمَاء والحُكَمَاءِ والمُفَكِّرينَ، لاَ يَخِيبُ مَن يَقْصِدُهُ، ولاَ يَضِلُّ مَنْ يَعْتَمِدُه. والقُرْآنُ لاَ تَنْقَضِي عَجائِبُه. ” قَدْ جَاءَكُم من الله نورٌ وكِتَابٌ مُبينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [[تضمينٌ لقوله تعالى :المائدة: جزء من الآية 15 و 16.]]
3- وقَد جَمعَ في هاته الآيةِ أربعَةَ مُؤَكِّدَاتٍ وهي القَسَمُ في قَوله: فَلاَ أُقسِمُ . وإنّ واللاّم واسميّةَ الجُمْلَة في قوله: إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَريمٌ . وهَذَا من شدّة إنكار الجَاهِلينَ وبُعدِهم عَن الاعتراف بالحَقّ المُبينَ فقالوا تارةً: ” إنْ هو إلاّ أساطيرُ الأوّلين [[المطففين 13]] ” وتَارة “هُو قَولُ شَاعِرٍ مَجنُونٍ [[الصّافّات:36]] ” وتارة هو: “قَوْل كَاهن [[الحاقّة:42]] ” ولَيسَ لَهم عَقلٌ به يتذكّرون، ولاَ قَلبٌ به يَعقلون ويتدبّرون. وقد عَلمَ الحقُّ تَعالَى أَنّهُمْ مُصِرّونَ عَلَى الإنْكَارِ لأنّهُم لَيسوا بأهلٍ للاعْتبَار في مثل هَاته النازلة، ولذَلكَ جَمَعَ لَهم أكثرَ المؤكّداتِ وأَخْبَرَهُم خَبَرًا مُؤَكَّدًا يَليق بأمثالهم تأكيدًا للحُجَّةِ عَلَيْهِم.
الروضة الجامعة في تفسير سورة الواقعة، الطبعة الثانية، 1980، الصفحة، 40-41.