1. ومِن أسمائه، صلى الله عليه وسلم، صاحِبُ الشَّفَاعة، أي المخصوص بفضيلة الشفاعة بين يدي الله يوم القيامة، حينَ لا يقف أحدٌ أمام سطوة الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا كانَ يَومُ القِيامَة، كنتُ أمَامَ الناس، وصَاحبَ شَفَاعَتِهم“، (رَواه الإمام أحمد في مُسنَدِه).
2. وقد خَصَّ الله، سبحانه وتعالى، سَيِّدَنا مُحَمَّدًا، صَلى الله عليه وسلم، بالشفاعة في سائر المَخلوقات، من الأبرار والأشرار، من الطائعين والعصاة، يوم المَحشر، بإذن من الله تعالى، ولا يَقع شيءٌ، في الدنيا وفي الآخرة، إلا بِإذنٍ من الله تعالى.
3. ويَقول علماء الكلام من الأشاعرة، بعد أن استقرأوا سائرَ أنواع الأحاديث المروية، إنَّ الشَّفاعَة ستة أنواعٍ:
أ- الأولى: الشَّفَاعَةُ العُظْمَى وهي لِكافَّة الخَلق، لإرَاحَتِهم من هَوْل المَوقف، قَبلَ بَدء الحساب، وهي مُختصَّة به بإجماعِ العُلماء.
ب- الشفاعة الثانية: وهي لإدخال قَومٍ إلى الجَنَّة، بغَير حِسابٍ.
ت- الشفاعة الثالثة: وهي في مَن استَحقَّ النارَ، بَعدَ الحِساب، ولكنَّه ينجو منها بفضل هذه الشفاعة.
ث- الشفاعة الرابعة: في إخراج مَن دَخل إلى النَّار من المُؤمنين، حَتَّى لا يَبقى فيها منهم أحدٌ.
ج- الشفاعة الخامسة: في زيادة الدَّرجات لأقوام من الطائعينَ في الجَنَّة.
ح- الشفاعة السادسَة: لجماعةٍ من مُقَرَّبي المُؤمنينَ وأبرارهم، لِيُتجاوَزَ عَنهم بسبب تَقصيرهم في الطاعات.
4. وقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جَلَسَ ناسٌ من أصحاب رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ حتى إذا دَنا منهم، سَمِعَهم يتذاكرونَ، قال بعضهم : إنَّ الله اتخذ ابراهيم خليلاً، وقال آخر: موسى كَلَّمه تكليمًا، وقال آخر: وعيسى كَلمة الله وروحُه، وقال آخر: آدم اصطفاه الله، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قَد سَمعتُ كَلامَكم وعَجَبَكم أنَّ إبراهيمَ خليل الله وهو كَذلكَ، وموسى نَجيُّ الله وهو كذلك، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك، وآدَم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنَا حَبيبُ الله ولا فَخْرَ، وأنا حامل لواء الحَمْد يَومَ القيامة، تَحتَه آدم فَمَن دونَه ولا فَخرَ، وأنا أوَّلُ شَافعٍ، وأوّل مُشَفَّعٍ يوم القيامَة ولا فخرَ، وَأنا أوَّل مَن يُحرِّكُ حَلَقَ الجنة فيفتح الله لي فَيُدخِلَنيهَا ومعي فقراءُ المؤمنين ولا فخرَ، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فَخرَ. (سُنَن التِّرمذي، كتابُ المَناقِب، باب في فَضل النبي، 3616)
5. وتَكَرَّرت كلمة “ولا فَخرَ”، في الحَديث الشَّريف ومعناها، كما ذكره الإمامُ عَبد الوَهاب الشعراني: لا أفختَر بكوني سيد ولد آدم افتخارَ كبرياء، وإنما راحة الأمة المحمدية من أهوال يوم القيامة بحكم الوعد السابق من الله حتى يكونَ، عليه الصلاة والسلام، أوَّلَ شافعٍ وأوَّلٍ مُشَفَّعٍ.
وفي حديثٍ آخرَ، يَقول رسول الله، عَلَيه الصلاة والسلام: خُيِّرتُ بَينَ الشَّفاعَة أو أن يَدْخُلَ نصفُ أمتي الجَنَّةَ، فاخترت الشفاعة لأنها أعمُّ وأكفى، أمَا أنَّها لَيسَت للمؤمنين المُتقين ولكنها للمُذنبينَ الخاطئينَ“.
وأعظَمُ الآمال التي تُناطُ بها الإرادات، أن يَشْفَع فينَا سيدُ السادات، تكرما مِنهُ في أهْوال يَومِ الميقات، وأنْ يَنظر إلَيْنا بعطفةٍ في ذلك اليوم الذي تَشيب منه الوِلدان وتسكب العَبَرات، وما لَها يَومئذٍ إلا سَيِّدنا محمد، أفْضل الموجودات
الشيخ محمد المنور المدني
26 فيفري 2017