1. ومِن أسْمَائِه الشَّريفة، صَلَّى الله عليه وسلم، : “سِراجٌ”، وهو المِصباحُ المُضيءُ، الذي مِنه تَنبعث الأنوارُ، فَتُنَوِّر ما تحيط به الأقطار. وقد وَرَدَ هذا الاسْمُ الكريم، في القرآن العظيم، بتسمية الله، رَبِّ العالمين.
2. يَقول الله تعالى وهو أصدق القائلين: “يَا أيها النبي إنَّا أرسلناكَ شاهدًا ومُبشِّرًا ونَذيرًا ودَاعيًا إلى الله بإذنه وسِرَاجًا مُنيرًا“، (سورة الأحزاب: 45-46). وتومئُ هذه الاستعارة الربَّانية البديعة إلى وُضوح دعوتهِ، عليه الصلاة والسلام، وانبلاج حجج نُبُوَتِه، حتى تنورت بها قلوبُ المؤمنين في حضرته وغَيْبَتِهِ، فهو نَيِّرٌ في ذاته، مُنيرٌ لغيره، بل هو سراج الهداية الذي كَمُلَت أنواره، وأضاءت أقمارهُ، فشَمِلَتِ العالمينَ ألْطافُهُ وأسرارهُ. مِصباح التجلي وسراج الوصول، بسناء رفقه يَهتدي السارون، وبشعاع لُطفهِ يَتَقَرَّبُ المشتاقون.
3. ومن رقائق هذه الاستعارة أنَّ اللهَ سَمَّى النَّبي، صلى الله عليه وسلم، سِراجًا، لِأنَّ السِّراجَ الوَاحد تُوقد منه السُّرُجُ الكثيرة، دونَ أن ينقصَ من ضَوْئِهِ شيئًا، ذلك أنَّ أنوارَ الطاعات والحَسنَات والصالحات كلها مقتبسةٌ من سِرَاح صدقِ سيدنا محمدٍ، عليه الصلاة والسلام، دونَ أن يَنقصَ منه شيءٌ. وعلى سبيل المقارنة والتقريب، ما رويَ من أنَّ سيدنا موسى، عليه السلام، قال: يا ربِّ، أريد أن أعرف خزائنكَ. فَقال له: اجعل على باب خيمتك نارًا، يَأخذ كل إنسان سراجًا من نارك. فَفعلَ. فقال هل نَقَص من نارٍ؟ قال: لا يا ربي. قال: فَكذلك خزائني.
4. وسُمِّيَ الرسول، صلوات الله وسلامه عَليه، سراجًا لأنَّ دينَه يضيء بينَ الأديان، كالسِّراج في الليلة المُظلمة، و قيل: هو تشبيه لِنور هدايته، عليه الصلاة والسلام،: “فَمَن كان في الظلمة يهتدي إلى مقصوده بضوء السراج، كَذلكَ يَهتدي العبد إلى الإيمان ومَعرفة الله تعالى، بهديِ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسُنَّتِه.
5. هذا وقد سمَّى الله تعالى رَسولَه “سِراجًا”، ولم يُسَمه “شَمْسًا”، ولا “قَمَرًا”، ولا “كوكبًا”، لأنه لا يوجد يوم القيامة شمس ولا قمر ولا كوكبٌ. رَوى الإمام القرطبي، في تفسيره،: “لَمَّا نزلت :”يا أيها النبي إنَّا ارسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرًا”، دعا رَسول الله، عليه الصلاة والسَّلام عليًّا ومعاذًا، فقال: “انْطَلقا فَبَشِّرا ولا تُعَسِّرا، فَإنه قد نزل علي الليلة آية : “يا أيها النبي إنا ارسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا“. وفي وصف هذه الأنوار، قال الشاعر:
جَهَرت بمدحٍ فيه لا متلجلجٍ * ومَن مَدحَ المَحبوبَ لا يَتلجلج
جَناني جنى جناتٍ عَدن بمدحه * وأرجوه في الداَّرين كَربي يُفَرِّج
جِمالَكم حُثُّوا وصُفُّوا بِقَبره * تَرَوا نورَه منه السمواتُ تُسْرَجِ
وبالجملة، بعث الله تعالى حَبيبنا محمدًا، صلى الله عليه وسلم، سراجًا يُنير الدنيا بالتوجيهات الربانية المفيدة والأخلاق الراجحة الحَميدة، كما يُنير الآخرَةَ بالشفاعة العظمى لجميع الخلائق، والخيرُ لا يَصدر منه إلاَّ الخير، مثل السِّراج لا يَصدر منه إلا النور
الشيخ محمد المنور المدني
11 فيفري 2017