من أحقر العبيد كثر المساوي عبد ربه أحمد بن مصطفى العلاوي إلى الأخ الربَّاني سيدي محمد المداني حياكم الله بمزيد النِّعَم وحَجَبَ أبصارَكم عن الحدوث بالقدم والسلام عليكم ما أثَّرَت قدرة الله في العالم وقال قائل : “الله واجب الوجود وما سواه عادم”.
سيّدي:
قَد بلغتني من طرفكم عدة مكاتيب وقد تأخَّرت عن مكاتبتكم لأسباب أنتم أعلم بها . والآنَ قَد عافانا الله والعافية هو أعلم بها إذ لا تعلم النفس مصالحها. وقد خرجت من مستغانم إلى تلمسان وبي من الآلام ما يعجزني في الغالب عن القيام وإني على أحسن حال مما كنت عليه بالأمس وهذا من جهة ما يخصُّ النفسَ وأمَّا باعتبار ما حصل لنا من الأنس عندما أنعم الله علينا بمرضنا الأَخير حتى كنت فيه لا أَشْتَهِي الشفاءَ والله حسبي وكفى.
وقد بلغنا عنكم ما يسرُّنَا مِن جهة الحسِّ [[ كاتبني الأستاذ بهاته الرسالة عندما تزوجت عام 1330 هــ الموافق لعام 1912 ميلادي]] فأرجو اللهَ أن يكون لكم زيادة في الأنس ورسوخًا في حضرة القُدس. واحذَرْ، باركَ الله فيك، أنْ تميلَ كلَّ الميل لما يخصُّ موازينَ البشريةِ، فتذروها كالملعقة أي الروحانية وهي أعز من أنْ يُشتَغَلَ بغيرها ولاَ يَخفَاك تفصيل ما نــوهَّنَا به : «وَكُلَّ إنسانٍ ألزمنَاه طائرَهُ في عُنقه » – الإسراء 13 – « وذكِّرْ به أن تُبسلَ نفسٌ بمَا كَسَبَتْ» – الأنعام 70 -. فَإذَا جَاءَ الحَقُّ « عَلمَت نَفسٌ مَا قَدَّمَتْ وأخَّرَتْ» – الانفطار 5 – والحالُ أنْ لَيسَ لها من دون الله وليٌّ ولا نصير. فاجعله باركَ اللهُ فيكَ ناصرًا. وإياكَ أن تعتمدَ على وجود الغير. فالاعتمادُ في الصلاة مُبطلٌ والوقوفُ مع غير الله مُعْضِلٌ، والدعوى تَحتَاج للبيان: حيث قلنَا لاَ موجودَ إلا اللهَ وصرَّحنَا به باللسان تعيَّنَ علينا ألاَّ نعتمدَ على غيره في الجَنَان ولا نرجو سواه من إنسانٍ وجان والله حسبنا وبه المُستعانُ.
وَسَلِّم منا على جمعكم بالتمام ولْتُهْدِ لهم منا مزيدَ التحية والاحترام وإننا في اعتناء بجمعكم ولا زلنا نتمنى الاجتماع بذواتكم والسلام.
وبه محبكم أحمد العلاوي.
المصدر:سيدي محمد المدني، كتاب برهان الذاكرين، طبعة 2007. ص. 35.