مِن قَصائد المَعرفة الربّانية الفاخِرة، ومَدْحِيَّةٌ في العشق زاهِرَةٌ. يُنْشِدُ فيها الشيخ مُحمَّد المَدني، رَحِمَه الله، أنْسَه بالله، حينَ أشرقت على قلبه أنوارُ الهِداية وتَنَوَّر جنانه بلطيف العناية، فَصَدَحَ لسانُه بهذه الأبيات العَذبة. ويغلبُ الظنُّ أنَّ هذه القصيدة كُتِبت قَبل انتقال الشيخ العلاوي سنة 1934. وعلى المريد أن يمزَّقَ أثوابَ وَهمِهِ ويُزيلَ أوصافَه مِن رَسْمِهِ حتى ينالَ قربَه وأنْسَه.
تَمَزَّقَ ثوبُ الــــــوهمِ فأضاءَ ناظِـــــــري * وانْطَـوى حِجابُ البُعد فَنَارَ خاطِـــري
وأزْهَرَ رَوضُ قَلبـــــــي بِنور رَبِّنَـــــــــــا * فازْدَهى بِحُسنه ما بَدا فَي ظاهـري
وزارَ المَحبـــــــوبُ قَلبي فَاكتَحَلَت بـــه * أبصارُ الوَرى طرًّا يا لَه مِن زائِـــــــــــر
وعَــــــلى بِساطِ الأنسِ كانَ اجتماعُنـا * واسْتَحال إشراقًا ظــــــــلامُ الدَّيـاجِر
فَبِـــــــعتُه روحي قِدْمًا والثَّمنُ الهَــوى * وهَل كالهَوى مَهرٌ مِن حَبيبٍ هــاجِرٍ
وهَـــــــل كَالأرواح تُهدى من عاشـــقٍ * غَدا مُنطَويًا بِيَمين المَعشوق القَـاهِرِ
والمُحـــــبُّ يَجتَني زَهرَةً مِن رَوْضِـــــه * والزَّهرُ تَبَدَّى مِن سنائِهِ الــــــــــباهِر
فَلَيــسَ في نَظرتي سوى وَجْهٍ تَجَلَّى * إذ بَــدا مَحبوبُنا مالــكًا ضـــــــــمائري
وأوْطانُهُ غَدت عنـــــدَ بَيتِ عــــــــــزِّنا * فَنَحــنُ مُلوكُــــــــــه لِذَوي البَصـــــائِرِ
والعُذّالُ أصْبَـــــــحت بِالسِّهــام حَسَدًا * والسِّهامُ تَنثَنــي عَن عَذولٍ غـــــادِر
لا تُصيب قَلبًا أضْحى لَطيفًا بالـــــهَوى * بل فُؤادَ عاشــقٍ للسلـــــــــوان قَادِر
والمَلامُ فِي الحَبيب عِندي يَحلو ذِكرُه * ولكنَّ هَجْــرَه لا يَراه عـــــــــــــــاذِري
وتَفصيـلُ حُسنِه يُصْغي سَمْعي نَحوَهُ * فَأهتَزُّ طَرَبًا كاهـــتِزاز الطَّــــــــــــــــائِر
يَنثَنــــــي غُصني إذا شاهَدتُ جَـمالَهُ * قَد تَجَلَّى ظاهرًا في مــــرآةِ السَّــاتِر
والمِـــــرآةُ زُيِّنَت بِألوان حُسنِــــــــــــه * فَأضْحت مُزريَةً بالإصبــــــــاح النَّائــــر
والإصبـــــــاحُ لَمْعَة و الليالي خَلْقُــــهُ * وتَفسيري واضحٌ لِذَوي البَصـــــــــــائِر
فَهو الكــلُّ في الوَرى في كلِّ كَائنَـــةٍ * بالكَونَيْنِ تَجَلَّى في كـــــــلِّ المَظاهر
فَهاتِه خَمرَةٌ قد بَدت بَيــــــــنَ المَــــلا * أسْكَرت كلَّ الوَرى مِن طِيبِ العَناصِرِ
وساقِي كُؤوسِها أستاذي قُطبُ العُلا * العَــــــــــلاوي غَوثُنا صَاحـبُ المَفاخِرِ
فَأرضِهِ يا رَبَّنا كَي يَكــــونَ المَـــــدني * في حِمـاهُ في الدُّنيا وفي اليَوم الآخِرِ
بِروحِ الوُجودِ مَن تَجَلَّى مِنـــه البَهـــــا * عَليـــــــــه صَلاة اللهِ مَع سَلامٍ عَاطِرِ