سُئِلَ الشيخُ سيّدِي أبُو الحَسَنِ الشَّاذُلِي ، رَضيَ الله تعالى عنه:
– قَد علمتُ الحُبَّ، فَما شَرابُ الحبِّ؟ ومَا كأسُ الحبّ؟ ومَن السَّاقِي؟ ومَا الذوقُ؟ ومَا الشُّربُ؟ ومَا الرَّيُّ؟ ومَا السُّكْرُ؟ ومَا الصَّحْوُ؟
قَال سَيِّدي أبو الحسن الشَّاذُلِي، رَضيَ الله تعالى عنه،:
الشَّرَابُ هو النُّورُ السَّاطِع عَن جَمالِ المَحْبوب. والكَأْسُ هو اللّطفُ المُوصِلُ ذلكَ الشَّرابِ إلَى أفْوَاه القُلوب، و السَّاقِي هو المُتَوَلِّي الخُصوصَ الأكبَرَ والصَّالحينَ من عِباده، وهو الله العَالِمُ بالمَقادِير ومَصالِحِ أَحِبَّائِه.
فَمَن كُشِفَ لَه عن ذلكَ الجمال وحَظيَ بِشَيءٍ مِنهُ نَفَسًا أو نَفَسَيْن ثمَّ أُرخِيَ عَلَيْهِ الحِجَابَ فَهو الذَّائِقُ المُشْتَاق .
ومَن دَامَ له ذلكَ ساعةً أو سَاعَتَيْن، فَهو الشَّاربُ حَقًا.
ومَن تَوالَى عَلَيه الأمرُ ودَامَ لَه الشُّربُ حَتَّى امتَلأتْ عُرُوقُه ومَفَاصِلُه مِن أنْوار الله المَخزونَة، فَذلك هو الرَّيُّ .
وَرُبَّما غابَ عَن المَحسوس والمعقول، فَلا يَدري ما يُقال ولا مَا يَقول فذلك هو السُّكْر .
وقَد تَدور عليهم الكاسات وتختلف لَدَيْهِم الحَالاَتُ، ويَهرَعون إلى الذِّكر والطَّاعات، ولا يُحجَبَون عن الصِّفَاتِ، مَع تزاحم المَقدورات فذلك وَقْت صَحْوِهِم واتِّسَاعِ نَظَرِهِم ومَزِيدِ عِلْمِهِم.
فهو نجوم العِلْم وقَمَر التَّوحِيد، يَهتَدونَ فِي لَيْلِهم، وبِشموس المعارف يَسْتَضِيئون في نَهَارِهِم، “أولئكَ حِزبُ الله، ألاَّ إنَّ حزبَ الله هُمُ المُفْلِحونَ “. (انتهى كلام سيدي أبي الحسن)
قلت: والسَّاقي الأعظم، سُبحانه وتعالى، أوكلَ حَبيبَه مُحمَّدًا، صلى الله عليه وسلم، أنْ يسقيَ بكلامِه العزيز قلوبَ المؤمنينَ فَيَشْفيهم. فلا يَسُوغُ الشَرَابُ ولا يَحْلَى إلاَّ إذَا نَاوَلَتْه راحَةُ المصطفى، صلوات الله عليه.