حياته
السيّد مـحمّد الـمنوّر بن مـحمّد الـمدنـي بن خليفة خلف الله شيخ الطريقة المـدنيّة الحالي. وهو من مواليد يوم 28 ماي سنة 1937 بقصيبة المديونـي في ولاية الـمنستير بالـجمهوريّة التونسيّة. كان قد حفظ القرآن الكريـم بالزّاوية المدنيّة على يد المؤدبِ السيد حامد الشّباب وعلى يد السيد علي البغدادي الجزائريّ وبعد ذلك درس بالفرع الزيتونـي بالـمنستير من 1953 إلى 1957 حيث تحصّل على شهادة “الأهليّة”. وإثر ذلك توجّه إلى دراسة علوم اللّغة العربيّة و الشرعيّة على يد والده الشيخ محمد المدني من سنة 1957 إلى 1959. و قد تزوّج سنة 1957 و أنـجب بنتين و ثمانية ذكور.
استهلّ حياته العملية بالاشتغال في الإرشاد الاجتماعي وتعليم الكهول منذ سنة 1963 إلى 1994. وهو حاليا متقاعد. كما شغل منصب “الإمام الخطيب” بجامع سيدي عبد الله المديوني في قصيبة المديوني من سنة 1960 إلى 1990. كما عمل منتجاً للبرامج الدينية بإذاعة المنستير الجهوية منذ سنة 1978 إلى اليوم. ولـمجازاته عن نشاطه العملي و العلمي تـحصّل على ثلاثة أوسمة شغل من وزارة الشؤون الاجتماعية وعلى وسام الشرف من وزارة الداخلية التونسية ومن العديد من الشهادات التقديريّة من الـمنظّمات والجمعيّات السياسية والثقافيّة. ولم ينفكّ طيلة حياته من إلقاء دروس ومحاضرات رمضانية في ولايات الوسط وكذلك فـي الجمعيّات والسجون والإصلاحيّات. ولذلك فهو يُعدُّ مرجعا دينيّا واجتماعيّا في المنطقة بأسرها.
و قد زار بيت الله الحرام مرّتين سنة 1955 وسنة 2001 واعتمر ثلاث مرات.
أما حياته الروحية فتميّزت بنشاط دؤوب منذ 1959 حيث لم يتوقّف عن استقطاب المريدين وتنظيم الدروس والاجتماعات في الزاوية المدنية في قصيبة المديوني و قد أدّى خدمةً جليلةً بالمحافظة على الرصيد المكتوب للشيخ محمد الـمدني والدِه فمنذ 1979 لم ينقطع عن نشره وتحقيقه. ويشرف بشكل رائع على الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف منذ 1969 حيث يلقي خطبة المولد.
من تعاليمه وآرائه
بقلم سيدي الأزهر اليحياوي
الحمد لله الذي تتمّ بحمده المَكرُمَات وتربو بشكره أعمالُ المؤمنين الصّالحات، فتثمرُ في جنان معارفهم أزكى ألوان القربات، والصّلاة والسّلام على كوكب الهدايات وتاج حضرة القدس في الأرض وفي السّماوات، سيّدنا محمّد من سبى حبّه قلوبَ أربابِ المُكاشفات، وعلى أهله وأصحابه الكرام السّادات. أمّا بعد :
يَنبَنِي التّصوف الإسلامي على المحافظة على مبادئه وقيمه وأهدافه التربوية الدّينية السّامية وخاصّة تمسّك مشايخ الطّرق الصّوفيّة بنهج السنة النّبويّة المطهّرة والوسطيّة الإسلاميّة السّمحاء ونشر رسالة الأخلاق المحمديّة الدّاعية إلى الله بآداب كتابِه وسيرة حبيبه صلّى الله عليه وسلّم وآل بيته وأصحابه. ويبين القرآن والسّنة حتميةَ وجودِ المعلّم المربّي في عمليّة التّربية الرّوحيّة والسّلوك الإيماني والتّزكيّة النّفسيّة إذ قال جلّ جلاله: “كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ” (البقرة 150) وقال تعالى أيضًا: “أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ” (الأنعام 90)
من أجل ذلك تحتّم شرعًا وعقلاً وعملاً وجودُ الشّيخ العارف بالله والعالم بكتابه والمقتدي بسنّة نبيّه (صلّى الله عليه وسلّم) عالمٍ عاملٍ سَمَتْ روحُه إلى مقام الإحسان وعرجت نفسه في معارج الكمال وتهذّبتْ أخلاقُه فارتقى إلى درجات القرب والأنس بالله والطّمأنينة الكاملة. مِنْ هؤلاء الأفاضل أكرمنَا الله بصحبة الشّيخ سيدي محمّد المُنَوَّر المَدَني حفظه الله، فوجدناه ترجمة فعليّة صادقة لما كان عليه مشايخ التّصوف من علمٍ وعملٍ وأخلاقٍ واتباعٍ للمصطفى (صلّى الله عليه وسلّم).
وما انفكَّ، خلالَ نِصْف قَرنٍ، يبعَثُ في نفوس مريديه الصّدق في حبّ النّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) والتّمسّك بشريعته والتّخلّق بأخلاقه فلا تخلُ مَجالسُه وخطبُه من ذكر شمائلِ الرّسولِ (صلّى الله عليه وسلّم) ومعجزاتِهِ وفضلِه على أمتّه وشفاعته وتفصيلٍ لسيرته بأسلوبٍ تعطّره نسماتُ شوقِه إلى حبيبه فينعكس حاله وسلوكه وصدقه على مريديه، إذْ ألزمُ لوازمِ هذه الأحوال الربّانية التزوّدُ بعشق الرّسول الأعظم (صلّى الله عليه وسلّم). إنّ لكلام الشّيخ سيدي محمّد المنوّر المدني أسرارًا منبعُهَا قوله حفظه الله: “الخطاب من القلب يصل إلى القلب“، إشارةً منه لوجوب الصّدق في خدمة حضرة المصطفى الكريم بتبيان حقيقته والكشف عن لطائف ما ورد في سيرته ممّا يظهر عظيم قدره وفضيلته فيتأثر جلاس الشّيخ بما ظهر منه قولا وفعلا وحالا من عشق لسيّد الكونين والثّقلين.
إنّ نهج شَيخِنَا الفاضل الجليل يقوم على الإكثار من مجالس الذّكر والمذاكرة الرّاميّة إلى نشر حبّ النّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) تذكيرًا بأخلاقه وأوصافه وأسرار حبّ الصّحابة له عليه الصّلاة والسّلام والاحتفال بمولده تعظيمًا لقدره وخدمة لشريعته ونشرًا لمدحه.
فحياة الشّيخ بارك الله في عمره دعوة إلى الله من خلال العيش في ظلال عشق الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم) وإتباعه والإخلاص في خدمة شرعته وترجمة أخلاقه في العمل بسنّته. ففي زمننا الذي اتّهِمَ فيه التّصوفُ جهلاً بعديد الأكاذيب، ظهرَ هذا العالم الجليل حجّةً دامغةً على أنّ الطّريقة المدنيّة العلاويّة هي امتدادٌ لما كان عليه الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم) وأصحابُه من عقيدةٍ سليمةٍ مُنْجيّةٍ وأعمالٍ زاكيّة مطهّرِةٍ وأحوالٍ راقيّةٍ أساسها حبّ الله وحبّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم).