باب التصوف

باب التصوف

باب التصوف

باب التصوف
باب التصوف

عقد الشّيخُ هذا الكتاب وختم به جميع الأبواب ليكون كتابه مشتملا على جميع أركان الدّين الإيمان والإسلام والإحسان، فتكلّم في أوّله على الإيمان وجميع مـا يجب علـى المكلّف فـي حقّ الله وحـقّ رسله عليهم الصّلاة والسّلام، ثـمّ تكلّم فـي وسطه على الصّلاة والزّكاة وغيرهما من قواعد الإسلام، ثمّ شرع الآن في الكلام على الإحسان لأنّه الثمرة، وبالنسبة لما تقدّم هو السّنام.


ولمّا كان الإحسان هو حضور القلب مع الحقّ وخلوّه من ظلمة الخلق عبّروا عنـه بالتّصوّف لما فيـه من صفاء السّريرة ومراعـاة الحـقّ فـي كلّ كبيرة وصغيرة. فالإحسـان والتّصـوّف متـرادفـان في الحقـيقـة ولا تُـمْكِـنُ معرفـتـهما وذوقهـما إلاّ بصُحـبة أهـل الطّـريـقـة.


والعـارف بغايـة التّصوّف ونهايته هـو العارف بـالله عـلى التّحقيـق، الشّـارب من عـين التّوحيد، المستغرق فـي بحار العظمة والتّفريد. فهـو العارف بالله ومـن سواه عالم بأحكام الله، وهـذا هـو الفرق بيـن العالـم والعارف في الاصطلاح.


ولمّا كان الأستاذ أكبر العارفين وإمام الواصلين قال :


 وإن أردت نسبـــــة للعارفـــين ** فسأريك الطريقة بـعد حـيـن
ذكــر التّصـوّف يحســن للتّنبيـه ** أذكـره ختامــا للرّغبـة فـيــه


يعني إذا أردت أيّها الإنسان أن تنسب للعارفين حتّى تصير من أهل الله الكاملين، فألـق سمعك، وفرّغ فؤادك، ووجّه إليّ جمعك، فإنّي سأريك الطّريقة، وأسقيك مياه الحـقـيقـة. فـبمـطالعة هـذا الكـتاب يتـّضح لك السّبـيل، وبصحبة مـؤلّفه تشرب من كؤوس السّلسبيل.
وأخبر في البيت الثّاني، أنّ ذكر التّصوّف في كتابه، أو نقول في كلّ الكتب يحسن لتنبيه الغافلين عليه ليتيقّظوا ويأخذوا في التّوجّه إليه. وأنّه ذكـره في الخـتام لوقوع الرّغبة فيه لأنّ الأمور بخواتمها. فإذا علم الإنسان أنّ العبرة بالخواتم، وأنّ أفضل الأشياء نهايتها وغايتها لأنّها المقصود رغب فيها. أو نقول المعنى: أذكر التّصوّف في آخر الكتاب ولا أخليه منه لرغبة الرّجال الكمّل فيه، وكيف لا والحال أنّ العلماء العاملين يتسابقون إليه، ومقبلون بكلّيتهم عليه، حتّى أنّهم يرون أنفسهم كانوا مقصّرين قبل الانتساب إليه.
وقد حكي عن بعضهم أنّه قال بعد التمسّك بالطّريق: كنّا ضيّعنا أيّامنا في البطالة، فقيل له: ألم تكن بـذلك حـجّة الإسـلام؟ فـقال: دعـوني مـن التّرّهـات فإنّ الله قـد ينـصر هـذا الدّين بالرّجل الفـاجر. وهـكذا كلّهم  للتّصوّف تتوجّه همّتهم، وتتقوّى رغبتهم. ثمّ قال الشّيخ :


 . فعلـم القـوم يؤخذ مـن التّنزيل ** والعارفون بالحقيقـة قـلـيـل
 . ولا تخلو الأعصار من وجودهم ** بـقيّـــة الله ليُـهتـدى بـهـم
 . فهم القوم لا يشـقى جليـسهـم ** فكـيف حـال من تـمسّك بـهـم


أشار بالشّطر الأوّل من البيت الأوّل، إلى استمداد علم القوم الّذي هو علم التّصوّف، فأخبر أنّه مأخوذ أي مستمدّ من التّنزيل أي القرآن العظيم أي ومن حديث النّبي عليه أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم.


وأمّا أخذه بمعنى تلقّيه فإنّه تتدفّق به أنهار قلوب العارفين مـن بحار آيـات الكتاب المستبين، فلا بدّ من أخذه من الأساتذة، لأنّ العلم لا يؤخذ إلاّ من أفواه الرّجال.


نعم، إنَّ العارفين بهذا الفنِّ العظيم، أهل الذّوق السّليم قليلونَ، ولذلك قـال: « والعـارِفون بالحَقـيقَة قليـلٌ »، أي: والعارفون بـعلـم الحقـيـقـة الّذي هـو علم التّصوّف، أو العَارفونَ، علـى التّـحقيق، قليلونَ، أي: في كُلِّ زَمانٍ ومَكان. فَالمُحقّونَ قليلونَ، والمُدَّعونَ كثيرونَ. ولذلكَ قالَ أبو مَدين التلمساني :


واعلَـمْ بِـأنَّ طريـَق القَــوم دارسة ** وحـالُ مَن يَدّعـيها اليوم كيف تـرى

الشيخ سيدي محمد المدني يذاكر في تَربية الصغار على مَجالس الذكر

أحْضروا الصِّغَـارَ، في مَجالسِ الذِّكْر والتَّعليم الشيخ سيدي محمد المدني يذاكر في تَربية الصغار...

شَرْح حَديث حَنظلَة: ساعَةٌ وساعَة

[ar]الشيخ محمد المدني[fr]Cheikh-al-Madani نَتشرَّف بتقديم رسالة اللحظة المُرْسَلَة على حديث...