بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين.
أيها السادة الأفاضل، أيتها السيدات الفاضلات، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
حديثي إليكم اليوم عن قوله تعالى: ” إنَّ اللهَ وملائكتَه يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً” سورة الأحزاب، الآية 56.
شرَّف الله بهذه الآية رسوله عليه السلام في حياته وبعد موته، وذكر من خلالها منزلته عنده، والصلاة من الله تعالى رحمته ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار، ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره.
أما قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا” ففيه أمر الله تعالى عباده بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم دون أنبيائه تشريفا له، ولا خلافَ في أنًَّ الصلاة عليه فرض في العمر مرة، وفي كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه.
ومن العلماء من قال : “تجب في كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره” . وكذلك في كل دعاء في أوله وآخره ومنهم من أوجبها في العمر . وكذلك قيل في إظهار الشهادتين .والذي يقتضيه الاحتياط : الصلاة عند كل ذكر لما ورد من الأخبار في ذلك .
وروى المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة عن الأسود عن عبد الله أنه قال : “إذا صليتم على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه . قالوا فعلّمنا، قال : “قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ونبيك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة . اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون . اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد “.
وروي بالإسناد المتصل في كتاب الشفا للقاضي عياض عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : عدهن في يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : “عدهن في يدي جبريل وقال هكذا أنزلت من عند رب العزة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد”.
قد ثبت في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “من صلَّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرا” . وقال سهل بن عبد الله : “الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم أفضل العبادات , لأن الله تعالى تولاها هو وملائكته , ثم أمر بها المؤمنين , وسائر العبادات ليس كذلك .
وذكر أبو سليمان الداراني : “من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل الله حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أنْ يرد ما بينهما.
وروى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : “الدعاء يحجب دون السماء حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاءت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رفع الدعاء. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : “منْ صلَّى عليَّ في كتابٍ لم تزل الملائكة يصلون عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب.
أما قوله تعالى “عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا” فقد بين القاضي أبو بكر بن بكير أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم فأمر الله أصحابه أن يسلموا عليه . وكذلك من بعدهم أمروا أن يسلموا عليه عند حضورهم قبره وعند ذكره .
وروى النسائي عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر يرى في وجهه , فقلت : إنا لنرى البشرى في وجهك ! فقال : “إنه أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا” . وروى النسائي أيضا عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام”.
أما قوله تعالى :”هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ” فقد جاء عن ابن عباس لما نزلت “إن الله وملائكته يصلون على النبي “[الأحزاب : 56) قال المهاجرون والأنصار : هذا لك يا رسول الله خاصة، وليس لنا فيه شيء، فأنزل الله تعالى هذه الآية
قال الامام القرطبي : “وهذه نعمة من الله تعالى على هذه الأمة من أكبر النعم، ودليل على فضلها على سائر الأمم . وقد قال الله تعالى : ” كنتم خير أمة أخرجت للناس ” [ آل عمران : 110 ] . والصلاة من الله على العبد هي رحمته له وبركته لديه . وصلاة الملائكة : دعاؤهم للمؤمنين واستغفارهم لهم , كما قال : ” ويستغفرون للذين آمنوا ” [غافر : 7 )وفي الحديث : أن بني إسرائيل سألوا موسى عليه السلام : أيصلي ربك جل وعز ؟ فأعظم ذلك , فأوحى الله جل وعز : ” إن صلاتي بأن رحمتي سبقت غضبي ”
أما قوله تعالى :” لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ” أي من الضلالة إلى الهدى . ومعنى هذا التثبيت على الهداية , لأنهم كانوا في وقت الخطاب على الهداية . أخبر تعالى برحمته بالمؤمنين تأنيسا لهم.
أما قوله تعالى :” وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًاتَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا” فهو تحية من الله تعالى والمعنى : فيسلمهم من الآفات، أو يبشرهم بالأمن من المخافات ” يوم يلقونه ” أي يوم القيامة بعد دخول الجنة. وجاء في الحديث الشريف أن النبيء صلى الله عليه وسلم قال من صلى علي يوم الجمعة مائة مرة جاء يوم القيامة ومعه نورٌ لو قسم ذلك النور بين الخلائق كلهم لوسعهم. اللهم اجعلنا لهذا النبي الكريم من أعظم المحبين، اللهم اجعلنا بسنته وبشريعته من المتمسكين، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن دعاء لا يسمع، اللهم إنا نعوذ بك من هؤلاء الأربع، اللهم استرنا فوق الأرض، اللهم ارحمنا تحت الأرض، اللهم احفظنا يوم العرض، اللهم يا فارج الهم، ويا كاشف الغم ويا مجيب دعوة المضطرين ورحمان الدنيا و الآخرة، ارحمنا في الدنيا والآخرة، اللهم انك تسمع كلامنا وترى مكاننا ولا يخفى عليك شيء من أمرنا يا خير المسئولين، ويا مجيب السائلين، ويا غياث المستغيثين، ويا غنيا عن المخلوقات أجمعين، ويا من تكرمت علينا بسيد محمد الذي أرسلته رحمة للعالمين ارحمنا في الدنيا ويوم الدين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.