بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين
يريد الله بكم اليُسر
يقول الله تَعَالَى في الذكر الحكيم : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا . صدق الله مولانا العظيم.
معنى الوَسط هو الخِيارُ والأجْودُ ، كما يقال قريشٌ أَوْسطُ العَرَبِ نسَبًا ودَارًا أيْ خَيْرُهَا، وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسَطًا في قومه أي أشرفهم نسبا وجعل الله الأمة المحمدية وسطًا من بين سائر الأمم وخصّها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب. قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾ قال النبيء صلى الله عليه وسلم إذا جمع الله عباده يوم القيامة كان أول من يدعى إسرافيل عليه السلام فيقول له ربُّهُ عَزَّ وجل ما فعلت في عهدي . فيقول يا ربِّ قد بلغت جبرائيل فَيُدْعى جبرائيل فيُقَالُ له هل بلّغك إسرافيل عهدي ؟ فيقول جبرائيل نعم يا ربِّ قد بلغني . فيخلي عن إسرافيل . ويقال لجبريل هل بلغت عهدي فيقول جبريل نعم قد بلغتُ الرسُلَ. فتدعى الرسل فيقال لهم هل بلغكم جبريل عهدي ؟ فيقولون نعم فيُخَلِّي عن جبريل . ثم يقال للرسل هل بلغتم عهدي ؟ فيقولون نعم قد بلَّغْنا اُمَمَنا فتُدعى الأمم فيقال لهم هل بلّغكم الرسل عهدي ؟ فمنهم المصدق ومنهم المكذب فيقول الرسل عليهم الصلاة والسلام لنا عليهم شهداء يشهدون لنا أنا قد بلغنا مع شهادتك يا رب فيقول وهو أعلم. من يشهد لكم ؟ فيقولون أحمد صلى الله عليه وسلم وأمتُهُ . فتُدعَى أمة أحمد فيقول لهم الرب جل وعلا تشهدون أن رسلي هؤلاء بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه ؟ فيقولون نعم شهدنا أن قد بلغوا . فتقول تلك لأمم كيف تشهدون علينا وأنتم لم تدركونا ؟ فيقولون يا ربنا إنك قد بعثت إلينا رسولا وأنزلت إلينا عهدا وكتابا قصّ علينا أنهم قد بلغوا فشهدنا بما عهدت إلينا . فيقول الرب جل وعلا صدقوا فذلك قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا.
وجعل الله المسلمين خِيّارًا وعُدُولاً لأنهم ليس من أرباب الغلُوِّ في الدين الْمُفْرِطينَ. ولا من أرباب التعطيل الْمُفرّطِينَ وقد كان الناس قبل الإسلام قسمين مادّي لاهمّ له إلا الحظوظ الجسمية . وقسم تحكمت فيه تقاليده الروحانية الخالصة وترك الدنيا وما فيها من اللذّات الجسمية ، فجاء الإسلام جامعا بين الحقين حق الروح وحق الجسم وأعطى المسلم جميع الحقوق الإنسانية فالإنسان جسم وروحٌ ، فكماله بإعطاء الحقين معا . يقول الله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا أَتاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ولاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِليْكَ﴾ صدق الله العظيم وحدد الإسلام السلطة التي تملك حق التحريم والتحليل فانتزعها من أيدي الخلق وجعلها من حق الرب تبارك وتعالى . قال جلّ شأنه :﴿ولاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتِكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا علَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الذِينَ يفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الَكذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ﴾. روى الإمام الشافعي في كتابه الأم : عن القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال أدركت مشائخنا من أهل العلم يكرهون الفُتْيَا أن يقولوا هذا حلال وهذا حرامٌ إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير ، روى ابن السائب عن الربيع بن خيثم وكان من أفضل التابعين أنه قال إياكم أن يقول الرجل إن الله أحل هذا أو رضيّهُ فيقول الله له لم أحل هذا ولم أرضَهُ أو يقول إن الله حرم هذا فيقول الله كذبت لم أحرمه ولم أنْهَ عنه وإن العلماء لم يطلقوا الحرام إلا ما عُلم تحريمه قطعًا . وهكذا نجد إماما كأحمد بن حنبل يُسأل عن الأمر فيقول أكرهه أو لا يعجبني أو لا أحبه أو لا أستحسنه ، ومثل هذا يرْوى عن مالك وأبي حنيفة وسائر الأئمة . فليعرف هذا الذين يسارعون بإطلاق كلمة حرام بدون أن يكون معهم دليل ، وقد حارب النبيء صلى الله عليه وسلم نزعة التنطع والتشدد وذمّ المتنطِّعين وأخبر بهلكتهم إذ يقول ألا هلك المتنطعون ألا هلك المتنطعون ألا هلك المتنطعون . رواه مسلم وأحمد وأبو داود ويقول صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنفية السمحة ، فهي حنفية في العقيدة والتوحيد سمحة في جانب العمل والتشريع .
روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرَهُمَا ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله عز وجل فينتقم لله بها. رواه الشيخان وأبو داود.
فتحريم الحلال قرين الشرك، وقد ظهر في المدينة المنورة من بين أفراد المسلمين من يميل إلى التشدد والتزمت وتحريم الطيبات على نفسه فأنزل الله تعالى من الآيات المحكمة ما يوقفهم عند حدود الله ويردهم إلى الصراط المستقيم. قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ ما أَحَلَّ اللهُ لكُمْ وَ لاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ الله حَلاَلاً طيِّبًا واتَّقُوا اللهَ الذي أنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُون ﴾
والسلام عليكم ورحمة الله
المراجع :
تفسير بن كثير ج1 ص 190
تفسير المراغي ج 2 ص 6
الحلال والحرام في الإسلام ص 25
تذكرة القرطبي ص 62
من هدي السنة ص 38