1. ومن أسْمائه الشريفة، صلى الله عليه وسلم، رَءوفٌ، وهو اسمٌ وردَ في صيغة مبالغةٍ من الرأفة، أي شدة العَطف والرحمة والحَنَان. وهذا الاسم هو من تسمية الله سبحانه وتعالى لسيِّد الأوَّلينَ والآخرين، فَفيه شَرَف حصول التسمية الربانية والإطلاق الإلهي عَليه، وكفاه به عزًّا وفخرًا. وفيه مَعنى الوصفية، وكفاها للنبي، صلى الله عليه وسلم وشاحًا وزينةً. يقول الله تعالى في الذكر الحكيم :” لَقَد جَاءكم رَسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عَنتم حَريصٌ عَليكم، بالمُؤمنين رَءوفٌ رحيمٌ” (التوبة : 128).
2. يَقول الإمام القُرطبي في التفسير، نقلاً عن الحسن بن فضل، : ” لَم يَجمع الله لأحد من الأنبِياء اسمَيْن من أسمائه، إلاَّ للنبي محمد صلى الله عليه وسلم فإنه قال: بالمُؤْمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ، في حَقِّ نَبيه، عَلَيْه الصلاة والسلام. وفي قوله لنفسه :”إنَّ الله بالناس لَرَءوفٌ رَحيمٌ“، (البقرة: 143).
3. ومن لَطائف ما جاء في تفسير هذه الآية ما حَدَّث به ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عَن عبيد بن عمير قال: كان عمر، رَحمة الله عليه، لا يُثْبت آيةً في المصحف حتى يَشْهَدَ رَجلان، فَجَاء رجلٌ من الأنصار بهاتين الآيتين: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ، فقال عمر: لا أسألك عليهما بيّنةً أبدًا، كذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم!
4. وقد وَرَدَ الاسمان الكريمان في هذه الآية بمعنى متقاربٍ، لأنَّ الرأفة نوعٌ من الرحمة، وسمى الله رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك لما أعطاه من الشفقة على الناس قال عليه الصلاة والسلام: “اللهمَّ اغفر لقومي فإنَّهم لا يَعلمون“. وقيل: رَؤوفٌ بالمُطيعين، رَحيم بالمُذنبين، لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أنعم الخلق وأعظمهم وأشفقهم وأرقهم قلبًا.
5. ومن ذلك أنَّ رسول الله، عليه الصلاة والسلام، ذَهبَ إلى الطائف يرجو منهم نصرته على قومه، فَرَدوا عليه ردًّا قبيحًا، ولم يرَ منهم خيرًا، بل آذوه ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبه، وأتى جبريل برسالة من الله جَلَّ ذكره، وقال: إنَّ الله أمرني أن أطيعكَ في قومك لما صنعوه معك، فقال، عليه الصلاة والسلام: اللهمَّ اهدِ قَومي فَإنَّهم لا يعلمون“، فقال جبريل: صَدَقَ مَن سَمَّاكَ الرءوف الرحيم.
6. وقد أمَرَ الله تعالى الملائكة بإدخال الرأفَةَ والرحمة في صدر المصطفى عليه الصلاة والسلام، : قال صلى الله عليه وسلم : إني لَفي صحراء وكلام فوقي يهوي إليَّ أسمعه فإذا رَجل يقول للآخر: هو هو. قال: نَعم فاستقبلوني بوجوه لم أرَهَا لِخَلقٍ قَطٌ، وعليهما ثياب لم أر مثل حسنها قط ولهما أرواح لم أجد ريحًا لأحد قط مثلها، فأخذ أحدهما بضبعي وأخذ الآخر بضبعي الآخر، لا أجد لهما مسًّا، فقال أحدهما للآخر أضجعه فأضجَعاني بلا هَصرٍ[[الجدب بقوة]] ولا قَصر[[الإكراه]]. فقال لصاحبه: أفلق صدره. فَفَلَقَ صدري فما أرى بلا ألم ولا وجع ولا دمٍ، فَقال: أخرجْ منه الغلَّ والحَسَدَ وأدخل فيه الرأفة والرحمة، فأخرج عَلَقَة رَمى بها وأخرج شيئًا مثل الفضة، فأدخله فيه وقال هذه الرأفة والرحمة، ثم قال بإبهامه اليمنى على صدري، ثم قال: اغدُ واسلم، ثم قمت فجئت بغير ما غَدَوت به من رحمتي للصغير وَرَأفتي على الكبير”[[أخرجه الإمام أحمد في مسنده]].
7. ومن رَأفته صلى الله عليه وسلم بالعارفين أنه فتح لهم أبوابَ الوُصول، وأنَالَهم مفاتيحَ القَبول، عَطَفَ عَلَيهم بنظرات المَدَد، وأذاقَهم نَفائسَ تَوحيد الواحد الصَّمَد، ورَأَفَ بقلوبهم الرقيقة فلم يَسُمْهَا بِعادًا، وحنَّ على مُهَجِهم الرقيقة، فشيدها للحبِّ عمادًا، وَرَأفته بِصالحي المؤمنين أصفى وأبقى: وهي لهم رَفع الحجاب، وتَيسير الاقتراب، من عَظيم الجَناب، سبحانه وتعالى.
الشيخ محمد المنور المدني
21 ماي 2017