فَكَيْـــفَ تُنكِــر حُــبّا بعـــدما شَهِدَتْ * بِهِ عَليْكَ عُدُولُ الـدّمْعِ و السِّقَـــمِ
وأثْبَتَ الوجْــدُ خَــطَّيْ عَبْــرَةً وَضَنىً * مثلَ البَهَارِ على خَـدَّيْكَ و العَـــنَمِ
نَعَمْ سَرَى طَيْفُ من أَهْـوَى فَأرَّقَـنِي * و الحُبُّ يَعْـَترِضُ اللَّذَّاتِ بِالألَــــمِ
يقولُ سيّدُنا عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه:
بَعثنِي رسولُ الله إلى اليَمنِ فإنِّي أَخطبُ يومًا على النّاسِ وحَبْرٌ من أحْبَار يهود واقفٌ، بين يَديْه سِفْرٌ يَنظرُ فيه،فَلمّا رآني قال:صِفْ لَنا أبَا القاسِم. فقال سيّدُنا عليّ:
رسولُ الله ليْسَ بِالقَصير ولا بِالطّوِيلِ البائِن، وليس بالجَعْدِ القَطَطِ (يعني الشّديد الجعودَة) وَلاَ بِالسَّبْطِ (هو الشّعَر المُنْبسِطُ) هو رَجِلُ الشَّعَرِ أسْوَدَه، ضخمَ الرّأسِ، مُشْرَبًا لَوْنُه حُمْرَةً، عظيم الكراديس (وهو جمعُ كَرْدُوسَة وهي كلُّ عظمٍ الْتَقَيا في مِفْصَلٍ أوْ هي رُءوس العظام)، شَثْنُ الكَفَّيْن والقدَمَيْن، طويل المَسْرُبَةِ (و هو الشّعر الّذي يكون من النَّحرِ إلى السُرّةِ) أَهْدبَ الأشْفار (يعني كثير شعر أشفار العَيْنيْن)، مَقْرُون الحاجِبَيْن، صَلْتَ الجَبِين (يعني الواسع الجَبينِ-،بَعيدُ مَا بَيْن المَنْكبيْن، إذا مَشَى تَكَفَّأ كَأنَّما يَنْزِلُ من صَبَبٍ، لمْ أَرَى قَبْلَه مثْلهُ ولا بَعْدَه مثلَهُ.
قال سيّدُنا عليّ:ثمّ سَكتُّ، فقال لِي الحَبْرُ: ومَاذا؟ قال سيّدُنا عليّ: هذا مَا يَحْضُرُنِي.
قال الحَبْرُ: في عَينيْهِ حُمْرَةٌ،حسَنَ اللِّحيَة، حسنَ الفَمِ، تامَّ الأذُنيْن، يُقبِلُ جَمِيعًا ويُدبِرُ جَميعا. فقال سيّدُنا عليّ:واللهِ هـذهِ صِفَـتُهُ. قال الحَبْر:وشيءٌ آخــر. قال سيّدُنا عليّ: وما هُــو؟ قال الحَبْـــرُ:فيــه جَنَأٌ (وهــو إشْرافُ الكاهِــلِ على الصَّدْرِ)
قال سيّدُنا عليّ:هوَ الّذِي قلــتُ لكَ كَأنّــمَا يَنزِلُ مِن صَبَبٍ.
قـال الحبْـرُ: فَإنِّي أجــدُ هذه الصِّفــةَ فـي سِــفْرِ آبــائِي، ونَجِـــدُهُ يُبْعـــثُ فــي حـــرَمِ اللهِ وأَمْـــنِه ومَوْضِع بَيْتِه ثمّ يُهاجِرُ إلى حرَمٍ يُحَرِّمُهُ هُو، ويكونُ لهُ حُرْمَةٌ كَحُرْمةِ الحَرمِ الّذي حَرّمَ اللهُ، ونَجدُ أنْصارَهُ الّذينَ هاجرَ إِليْهِم قوْمًا مِن وَلَدِ عمر بن عَاِمر (وعُمرهذا أيْسَر رَجُـلٍ في زَمانهِ وأكْثَـرهُـم مَالا وعـدَدًا ومَوَاشِي،وكان لهُ ثُلُثَا جَنَّة مَأْرَب، أبُوهُ عَامِـر مَاء السّمَاء، مِن سُلالَتِه الأوْسُ والخَزْرَج) ،أهل نخْلٍ،وأهـلُ الأرْض قَـبْلهم يَهُود.
قال سيّدُنا عـليّ: هُوهُـو. -وهـو رسـول الله- قال الحَبْـرُ: فَإِنِّي أشْهَدُ أنّهُ نبّـيٌّ و أنّهُ رسـولُ الله إلى النّاسِ كافّة فَعَلَى ذَلكَ أحْيا وعليْه أمُـوتُ وعليْهِ أُبْعَـثُ إنْ شاء اللهُ. قال: فكانَ يَأتِي عَليًّا فيُعَلّمُهُ القـرْآنَ ويُخْــبـِره بِشــرَائِـعِ الإسْـــلام، ثـــمّ خَــرجَ عـــليّ والحَـــبْرُ هــنــاك حـتّى ماتَ في خِلافةِ أبي بكرٍ وهو مُؤمِنٌ برسول الله مُصَدِّقٌ بهِ.
وهذا سيّدُنا أبُو هريرة رضي الله عنه يَصفُ السيّدَ الأعْظم فيقول:
كان رسولُ الله عليه الصّلاةُ والسّلامُ شثْنَ القدَمَيْن والكفَّيْن،ضَخمَ السّاقَيْن،عظيمَ السّاعِدَيْن، ضَخْمَ العَضُدَيْن والمنْكِبَيْن، بَعيدَ مَا بَيْنَهُما،رَحْبَ الصّدْرِ، رَجْلَ الرّأسِ، أهْدبَ العَيْنَيْن،حَسنَ الفَمِ، حَسَنَ اللّحيَة،تامَّ الأُذُنيْن،ربْعةً مِن القَوْم لا طويل ولا قصير، أحْسَنَ النّاسِ لَوْنًا، يُقبِلُ معًا و يُدبرُ مَعًا، لَمْ أرَى مثلَهُ ولَم أَسْمَع بِمِثْلِه .
ويَأتِي وَصْفُ أمِّ مَعْبد (واسْمُها الأصْليّ عَاتِكَة والعَتك هو المُتَضَمِّخُ بالطِّيبِ) حينَ دخلَ عليْها السيّدُ الأكْرَمُ بِمَعـِـيَّةِ سيّدنا أبي بــكرٍ الصِدِّيق رضي الله عنه ودلِيلِهِما عبدُ الله بن الأُرَيْقِط، يَلتمِسُ مِــنها اللَّبنَ أثْنــاءَ الهِجْــرَةِ إلى المَـــديــــنَةِ المُـنــَــوّرَةِ، والقِـــصّةُ مشْهــــورةٌ فـــي كُتُــب السِّيرةِ النّبويّة. … رَجعَ زوْجُ أُمّ مَعْبد -واسْمُه أكثـــم و قيــل خنيــس- مِــنَ الرَّعـي يَســــوقُ أَعْنُزًا عِجافًا ورأَى اللّبَنَ الّذِي حلَبَهُ الرّسولُ فقال: يَا أمَّ مَعْبد مَا هذا اللَّبَن ولاَ حَلُوبَ في البَيْت ؟ قالت:مرَّ بِنَا رجُلٌ مُباركٌ، قال: صِفِيهِ،
قـالت:
رَأيْتُ رَجُلا ظاهِرَ الوَضـاءَة، ُمتَبَلِّجَ الوَجْه (أي مشرِقَـهُ)، فـي أشْفـارِه طولٌ، و في عَـيـْنَـيْه دَعَجٌ، (أي شدّةُ سَوادٍ) وفي صوْتِهِ صَحْلٌ (أي بحَّةٌ يعــني ليْسَ بِحَادِّ الصّوْتِ)، لَمْ تُعِبْهُ ثَجْلَةٌ (أي عِظمُ بَطنٍ)، ولم تَزْرُ بِهِ صَعْلَةٌ (أي صِغرُ رَأسٍ)، كأنَّ عنقهُ إبريقُ فِضّةٍ (والإبريق هو السّيفُ الشّديد البريقِ)، إذا نطقَ فعليهِ البهاءُ،و إذا صمتَ فعليهِ الوقَارُ، له كلامٌ كَخَرَزَاتِ النُّظُمِ، أَزْيَنُ أصحابهِ مَنظرًا، و أحسَـــنُهم وجهًا، أصحابهُ يَحفُّـونَ بـِهِ، إذا أمـرَ ابتَــدرُوا أمـْـــرَهُ، وإذا نَهَى انْتَهْوا عند نَهْيِهِ.
قال زَوْجُها: هذهِ و اللهِ صفـةُ صــاحِبِ قُـريـــشٍ لـَـوْ رَأيـــــتُهُ لا تَّبعتُهُ و لأجْتَهدَنَّ أَنْ أفعَل َ.
و يقــال أَنَّه خـرَجَ في أثـرهِمْ فَـأدْركَهم و بَــايـعَهُ وَرَجَــعَ.
فصلّوا على سيّدنا محمّد وزيدوا في محبّته
الشيخ محمد المنور المدني
الزاوية المدنية 2 جويلية 2017