1. ومن أسْمائه، صلى الله عليه وسلم، كَريم، والكَريم هو الجامع لأنواع الشرف وأوصاف الكمال. ويحمل وصف “الكريم”،مَعنَيَيْن: الأول: يدلُّ على كرم الذات، وزَكَاء الأصل،وطِيب العُنصر،من الآباء والأمهات، من سيدنا عَبد الله، قَمر البطحاء، إلى أبينا، آدَم عليه السلام، ومن أشرف نِساء الدنيا، سَيدتنا آمنة، إلى أمِّنا حَوَّاء. فقد جاء سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، من أصول كريمة زكية، اختارها الله تعالى، لتكونَ محلاً لِحمل نور سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام.
2. وفي هذا الصدد، روى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنَّ رَسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:”لَم يَلتق أبَوَايَ قَطُّ على سفاحٍ،ولم يَزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفًّى مُهَذًّبًا، لا تتشعب شُعْبَتَان إلا كنتُ في خَيْرِهمَا”.
3. وأما المعنى الثاني فيدلُّ على كَرَم الأفعال، فلا يَصدر منه، عليه الصلاة والسلام،إلا الفعل الجميلُ والقَولُ السَّديدُ، لأنَّه أكرَمُ الخَلق طرًّا، وأجملهم فعلاً وألطفهم قَدرًا.يَقول الله تعالىفي شأنه، وهو أصدق القائلين: “إنَّهُ لَقَوْل رَسولٍ كَريم“، (سورة الحاقة: 40)، صدق الله العظيم. ويقول صاحب جوهرة التوحيد :
وَأفضل الخَلْق عَلى الإطلاق * نبينا فَمِلْ عَن الشِّقاق
4. هذا وقد امتازَ سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالسخاء والكرم الذي جعله الله من سَجَاياه العظيمة،وشمائله الكريمة، بفضل تَربية ربانية عالية، وتوجيهاتٍ قرآنيةغالية، وبَلغ به الكرم أنه كان يستحي أن يَرُدَّ سائله خاليَ اليَدَيْن،وإن كان في حالٍ من الخصاصة والفقر. تروي كتب السيرة: أتاه رجل فَسَأَله، فأعطاه غَنَمًا، سَدَّت ما بَيْنَ جَبَلَيْن، فَرَجَع الرجل إلى قَومه وقال:أسْلِموا فَإنَّ مُحَمَّدًا يُعطي عَطَاءَ مَن لا يَخشَى الفَاقَة.
5. وقال جابر: بَينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ، أتاهُ صبيٌّ، فَقال:إن أمي تَستكسيكَ دِرْعَا (أي: تطلب منكَ أن تَكْسُوهَا وتَهَبَها قميصًا). فَقال رسول الله: مِن سَاعة الى ساعةٍ يَظهر، فَعُدْ إلينا. فَذَهب الصبي الى أمِّه، فَقالت له: عُد إلَيه فَقل له إنَّ أمي تَستَكسيك الدِّرعَ (أي: تَطلبُ منكَ القَميص) الذي عَليكَ. فَدخل رسول الله دارَه ونَزَعَ قَميصه وأعطاه الصبيَّ، وجلسَ عَريانَ، وأذَّنَ بلالٌ وانتَظر المسلمون فَلَم يخرج النبي للصلاة.
6. ورسول الله عليه الصلاة والسلام المثل الأعلى في الكرم والعطاء، فهو كَريم وفعله كَريم، ويحثُّ المسلمين على الكرم بقوله: “السَّخيُّ قَريبٌ من الله، قَريبٌ منَ الناس، قَريبٌ مِنَ الجَنَّة.والبَخيل بَعيدٌ من اللهِ، بَعيدٌ مِن النَّاس، بَعيد من الجنةِ، قَريبٌ من النار“. ويقول، عليه الصلاة والسلام،أيضًا:”ما مِن يَومٍ يُصبِح العباد فيه إلا مَلَكَان يَنزلان، فَيقول أحدهما: اللهمَّ أعط مُنفقًا خَلَفًا، ويَقول الآخر: اللهمَّ أعطِ مُمسكًا تَلفًا”.
7. فَهو، عَلَيه الصلاة والسلام، كَريمُ السَّجَايَا، طَيُّب الشَّمائل والطَّوَايَا، فاقَ السُّحبَ المُرسلة جودًا وَكَرَمًا، وجَاوَزَهَا رفعةً وهِمَمَا، كَرمُه في طيب عُنصرِه الذي أبان مَولِدُه عَن تَسَامِيهِ، وفي زَكَاءِ مَحْتَدِهِ (أصله) الذي ازْيَنَّ في تَعاليهِ، كريمٌ ليس لِجوده حدٌّ ولا مَدَى، جوادٌ تفيض من رَاحَتَيْه بِحار النَّوَال والنَّدى. فصلى الله وسلم عليه في الانتهاء والابتداء.
الشيخ محمد المنور المدني
25 مارس 2017