المَولد النبويُّ مُناسَبَةٌ مُحمديَّةٌ زاهرة، ويَومٌ من أيَّامِ الله الباهرة… تَحياهَا القلوبُ بالتذكُّرِ، والعقولُ بالتَّفَكُّر… ويُحييهَا ساداتُ الرِّجال بالصَّالِحاتِ والأعمال الطيِّبات، تَعظيمًا لعَظمَة القَدْر المُحمديّ في قلوب المؤمنينَ، وعِرفانًا لبركتِه – صلَّى الله عليه وسلَّم- في انبعاثِ الأحوال الفاخِرة، وتَرقية العارفينَ في مَقامات المُشاهَدة…
أبَان هَذا المولدُ عَن نَفاسَةِ الأصْل الشريف…ورِفْعَة العُنصر المُنيف… إذْ بهِ آنَ للزمانِ أن يَدورَ دَورتَهُ الكاملة …حتَّى تَكَشَّفت الحقائق الأزليَّة، وَفاضَت العَطايا السنيّة من بِحار الرَّقائق وأصول الحقائِق…
فَحقيقٌ لكلِّ مَن كانَ له قلبٌ أن يُلقيَ السَّمعَ فَيُصغي إلَى هَمسَات النور وتَرنيم الهداية التي انْبَعَثَتْ مِن مَعدِن القِدَم، بل مِن مُكتَنَزِ المَعالي حتى تراءتْ لأعين الصالحين، فامتَدَّت إليها هِمَمهمْ فارتَشَفُوا مِن يَد الرّضا والثَّناءِ أغلَى صِلات الحقّ وأجلّ العطايا.
فالابتهاج بها أيامَ شَهر الرَّبيعِ إنَّما هو من نشوة التَّداني بَعدَ جَفوة التنائي، ومن بَرْد الاتصال بعد حرّ الانفصال…
والعَجَب مِمَّن يتَطوَّحُ في مُطارَحات الفُقهاء – وما هِيَ للفَهم بِيَسيرَةٍ- والحقُّ أنَّ عَزيزَ الأشواق التي تهزُّ الأرواح لا تطلبُ في مَراتب الأقيسة، والأعجب أن يُطلبَ الدليل على الفرح بمولِد مَن تَغنَّى الحقّ بأخلاقه العالية، وأقسمَ بحياته الشريفة، وأنزلَ على قلبه كلماته وتمتعت مُقلتاهُ بالنظر الى ذاته الأحديَّة… فما زاغَ البصرُ وما طغى….
ن.المدني
12 نوفمبر 2018