ذاكَرَنا الشيخُ سيدي محمد المنور المَدنيّ، أطالَ الله بَقاءَه، هذه المُذاكَرَةَ صبيحَةَ يَوم السبت 25 أوت 2012 قال:
في يومٍ منْ أيَّام سنَة 1957، طَلبَ منِّي والدي، الشيخُ سيدي محمد المَدَني، رَحِمَهُ الله، أنْ أحْضِرَ السيَّارَةَ لزيارة سيدي الحاج محمود النعيجي مُقَدَّم قَريَة سيدي النعيجة (تُعرَف اليوم بمنزل فارسي وتَبعدُ عن المنستير قُرَابَة 20 كلم)
فَلَمَّا وَصلنا البيتَ، جَلَّلنَا (أيْ دَخلنَا مُرَدِّدينَ صيغَة لا إلاهَ إلاَّ الله، جُدْ عَلينا المَألوفة) وجَلسنا حِذوَه. فَفرحَ بنا فرحًا شديدًا وبَكى بُكاءً حارًّا.
فَقال له سيدي مُحمد المدني:
– لَم تبكِ يا سيدي الحاج كلَّ هذا البُكاءَ؟
فأجابه سيدي الحاج محمود :
– بكائي لأنّي لائِمٌ عَليكَ فأنْتَ لَم تَزُرني طيلةَ أيَّامِ مَرَضي.
فانْبَرَى الشيخُ يَعتَذر إلَيْه ويُواسيه قائلاً: إنَّني كنتُ مَشغولاً بأمور الزاوية، كما أنَّ العُمرَ تَقَدَّم بي. ولَم يَلمه على لَومه بل طلبَ منه الصَّفحَ، وقَدَّمَ كلَّ المَعاذير، وانطلق في المذاكرة فإذا بسيدي الحاج محمود يُغْرقُ في البكاء من جديدٍ قائلاً:
– سامحني يا سيدي، فَقد أسأتُ مَعَكم الأدَبَ، ولَيس للمريد أن يَلومَ شَيخَهَ.
فَطمأنه الوالد وهَدَّأَ من حُزْنِه، وتَمَّت هذه الزيارة في أجْمَل مَراتِبِ الرَّضا.
وما يستخلص من هذه الواقعة البَسيطة عِبَرتَان:
– صِدقُ المُريدين مع الاستاذِ المُرَبِّي، فَعَلَيْهم أنْ يُصارِحونَه بكلِّ ما يَنتَابهُم مِن الخَواطِر والواردات حتى يداويها الشيخُ.
– عَدم انزعاج الشيخ، عَلى جَلالة قَدره، من تَوجيه اللَّوم لَه بل كان مَسرورًا بإزالَة ما عَلقَ ببواطن المريدين من الكَدورَات.
وَفَّقنَا الله لتصفية أرواحنا والصُّدور، وثَبَّتَنَا في مقامات الخفاء والظُّهورِ.
ن. المدنيّ، الزاوية المدنية، باريس،
22 نوفمبر 2012.