مختارات مدنية

مختارات مدنية

cover-3.jpg

هَذهِ المُختارات باقةٌ مُنتقاةٌ من جِياد النّصوص وعَزيز المعاني، اقتُطِفَتْ مِن تُراث الفِكر الصوفيّ للشيخ مُحمّد المَدني (1888-1959). تَعْرِض هذه المُختارات لأهمَّ مقامات التّصوّف الإسلاميّ التي عَبّر عنها الشيخ المَدني، في عباراتٍ ناصِعَة، وتَشمَل معارجَ الرّوح التي على طالبِ الحَقيقة أن يتتبّعَها ومَدارج التزكية القلبيّة التي يَحسن بها أن يرتَقيَ فيها. وفيها إشاراتٌ إلى أهمّ مَراتب المَعرفة الذّوقيّة. وقد اقْتُبِست مِن مُجمل آثارِ الرّجل التي تَضمُّ كتبًا ورَسائلَ وشروحًا، انتقَيْنا منها عيونَ نُصوصِهِ التي تَعكس فكرَه بِوضوحٍ، وتُجْلي طولَ باعِهِ في فنّ التَّصوف ومَدى تصرّفه في أصولِهِ وفُروعِهِ.

هذا، وتهدفُ هذه المُختارات إلى إعْطاء صورَةٍ صادقة، وهذه وَظيفة المُختارات، عن عُمق الرّجل وأصالة مُقارَبَته، ومن ثَمَة إلى الحَثّ على مُطالَعَة سائر ما كَتَبَ والعودَة إلى رصيدِهِ الثّري الذي يتوزّع على ما يقارب الخَمسَةَ عَشرَ تأليفًا، شَملت كافّة فروع المَعرفة الإسلاميّة.
وبما أنّ هذا التُّراثَ لم يُترْجم بَعدُ إلى الفرنسية، بِاستثناء بَعض الصفحات من تَفسيره، قَرّرنا نَقْلها إلى هذا اللسان حتى يَطّلعَ الجمهور الناطق به على أعمال الرَّجل ويتعرَّفَ على فكرٍ أصيلٍ، طالما طَبَع بطابَعِه التصوّفَ في البلاد التونسيّة، طيلة النّصف الأول من القرن العشرين. ولا يجب أن يَغيبَ عنّا ما في تَرجمة أساليب التعبير القديمة والمَضامين الصوفيّة من صعوباتٍ، اقتحمنا ميدانَها بكثير من التهيّب والحذر، راجين التّوفيق في نَقل تلك المعاني من بيئاتها الأصليّة إلى مَجال الثقافة الفرنسيّة.

أما كاتبُ هذه النصوص فهو الشيخ محمد المدني (1888-1959). وُلدَ في بَلدَة قَصيبة المديوني (ولاية المنستير في الساحل التونسي)، في عائلة أقربَ إلى رقّة الحال. تلقّى تَعليمَه الابتدائي لَدى مُؤدّبي البَلدة وبَعدَها انتقلَ إلى تونس العاصمة ليلتحقَ بجامع الزيتونة حواليْ سَنَة1904 ، وهناك اغترَفَ من علوم الآلة وعلوم المقاصد على يَد مشائخ مَعروفين مثل محمد الخضر حُسَين (1876- 1958) ومحمد الطاهر بن عاشور (1879-1973) وبلحسن النجار (1876-1952)، وكذلك الشيخ الصادق الصّحْرواي الذي لقّنة مبادئ التصوّف.

وفي نهاية الفصل الدراسي لسنة 1910، لم يُسمَح للشابّ محمّد المدني باجتياز مُناظرة « العالِميّة » مع أنه أدرك مُستواها، وذلكَ بِسبب مُشاركته في مظاهرات الطلاب (في أفريل 1910) ضدّ سلطات الاستعمار. وفي نفس هذه السّنة، التقى بالشيخ أحمد العلاوي (1869-1934) والتحقَ بطريقته الصوفيّة. ثم ما لبث أن ارتحلَ إلى مستغانم حيث قَضى سنةً كاملة في تَحصيل العلوم الروحيّة تحت أنظاره، وعاد منها بإجازةٍ خطيّة في نشر طريق التصوّف بالبلاد التونسية. وظل يَزور شيخه العلاوي بانتظام حتى وفاته سنة 1934، كما زاره هذا الأخير مَرَّتَيْن في قصيبة المديوني.

أسّس الشيخ محمد المدني زاويتَه سنة 1918وبدأ أتباعُه في التكاثر، وظل منذ ذلكَ التّاريخ حتى وفاته سنة 1959 يَجتَهد في نَشر الطّريقة الصوفيّة التي شَيّدها على الجَمع بين العلوم الشرعيّة والمقامات الروحيّة، أو الحقيقة والشّريعَة. فالتَفّ حوله أتباع كثيرون وتخرَّج على يَديْه الآلاف من المحبّين. تَرك مجموعةً من المؤلّفات في تفسير القرآن والفقه والتصوف واللغة إلى جانب ديوانٍ شعري، وجلّها اليوم مطبوع.

نجم الدين خلف الله
باريس
15-10-2022

مؤلفات الشيخ سيّدي محمد المدني

مؤلفات الشيخ سيّدي محمد المدني

لمطالعة مؤلفات الشيخ

صنَّف الشيخ محمد المدني في كافة فنون المعرفة ولمْ يَترك علما إلا وألَّف فيه إذ مكنه تكوينه الديني واللغوي المتين من تعاطي تفسير القرآن والحديث و إصدار الفتاوى، حسب المذهب المالكي، إلى جانب الشعر والرسائل والحكم الصوفية.
امتاز أسلوبه في التفسير بالوضوح والسلاسة إلى جانب الجمع بين المعاني الظاهرة والمعاني الباطنة وأهمُّ أعماله:

مؤلفات الشيخ محمد المدني في القرآن :

كتاب رسالة النور  (تفسير قرآن)
كتاب تفسير آية من سورة النور من مؤلفات الشيخ محمد المدني
  1. المعرفة الواضحة في تفسير سورة الفاتحة، 1921
  2. الروضة الجامعة في تفسير سورة الواقعة، 1929
  3. رسالة النور (في تفسير آية الله نور السماوات)، 1949

مؤلفات الشيخ محمد المدني في الحديث

اللحظة المرسلة على حديث حنظلة
كتاب حديث حنظلة من مؤلفات الشيخ محمد المدني
  1. شرح الشيخ بضعة أحاديث عن طريق الإشارة.
  2. اللحظة المرسلة عل حديث حنظلة 1923.
  3. حديث العشق (الديوان).

مؤلفات الشيخ محمد المدني في التصوف

كتاب تحفة الذاكرين من مؤلفات الشيخ محمد المدني
كتاب تحفة الذاكرين من مؤلفات الشيخ محمد المدني
  1. برهان الذاكرين 1921.
  2. هدية الإخوان في الإيمان والإسلام والإحسان 1919.
  3. منهل التوحيد.
  4. رسالة تحفة الذاكرين وحكم العرفين 1950.
  5. جواهر المعاني.

مؤلفات الشيخ محمد المدني في الفقه

  1. الأصول الدينية 1918.
  2. الفتاوى.
  3. اللباب في إثبات الحجاب 1929.

مؤلفات الشيخ محمد المدني في البلاغة

  1. الجوهر المكنون (شعر)
  2. ديوان أنيس المريد.
حديث السبحة بالتسلسل

حديث السبحة بالتسلسل

سبحة اليسر

سبحة اليسر

يقول سيدي الشيخ محمد المدني: “قرأتُ تلكَ الرّسالةَ، رسالةَ المنحة في اتخاذ السبحة في كتابه: “الحاوي للفتاوي“، لجلال الدين السيوطي، رحمه الله، فرأيتُه قد أجادَ فيها وأفادَ وجَمَع فيها من الأدلة ما فيه الإرشاد لأهل الرَّشَاد والردُّ عَلى أهل البَغي والعناد، فَعليكَ بمطالعتها والله ولي التوفيق والسداد وقد أحببتُ أن أذكرَ من تلكَ الرسالة من الحديث المسلسل تبركًا برجاله الكرام وعلمائه الأعلام”.

“وقَد رَويتُ في ذلك حديثًا مسلسلاً وهو ما أخبرني به شيخُنا الإمام أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد الله مِن لفظهِ ورأيت في يده سِبحة.

– قال أنا الإمام أبو العباس أحمد بن أبي المحاسن يوسف بن البانياسي بقراءتي عليه، في يده سبحة.

– قال: أنا أبو المظفر يوسف بن محمد بن مسعود الترمذي ورأيت في يده سبحة.

– قال: قرأت على شيخنا أبي الثناء ورأيت في يده سبحة.

– قال أنا أبو محمد يوسف بن أبي الفرح عبد الرحمن ابن علي ورأيت في يده سبحة.

– قال أنا أبيّ ورأيت في يده سبحة.

– قال: قرأتُ على أبي الفضل بن ناصر ورأيت في يده سبحة.

– قال: قرأتُ على أبي محمد عبد الله بن أحمد السَّمَرقندي ورأيت في يده سبحة.

– قلت له: سمعت أبا بكر محمد بن علي السلمي الحَداد ورأيت في يده سبحة. فقال: نعم.

– قال: رأيت أبا نصر عبد الوهاب بن عبد الله بن عمر للقرى ورأيت في يده سبحة.

– قال: رأيت أبا الحَسن علي بن الحسن بن أبي القاسم، المُتَرَفّق الصوفي وفي يده سبحة.

– قال: سمعت أبا الحسن المالكي يقول وقد رأيت في يده سبحة فقلت له: يا أستاذ وأنت إلى الآن مع السبحة؟ فقال: كذلك رأيت أستاذي الجنيد وفي يده سبحة.

– فقلت: يا أستاذ وأنت إلى الآن مع السبحة؟ قال: كذلك رأيت أستاذي سري بن مغلس السقطي وفي يده سبحة.

– فقلت: يا أستاذ أنت مع السِّبحة؟ فقال: كذلك رأيت أستاذي معروف الكرخي وفي يده سبحة فسألته عما سألتني عنه فقال كذلك رأيت أستاذي عمر المكي وفي يده سبحة فسألته عما سألتني عنه فقال كذلك رأيت أستاذي الحَسن البصري وفي يده سبحة.

– فقلت: يا أستاذُ، مَعَ عِظَمِ شَأنكَ وحُسن عبادَتكَ وأنتَ، إلى الآن، مَع السِّبْحة؟

– فقال لي: شَيءٌ كنَّا استعملناه في البدايات ما كُنَّا نَتْركه في النِّهايات. أحبُّ أن أذكرَ اللهَ بِقلبي وفي يَدي ولِساني.
– فلو لَم يكنْ في اتخاذ السبحة غيرُ موافقة هؤلاء السَّادة والدُّخول في سلكهم والتماسِ بَرَكَتهم، لَصَارَت، بهذا الاعتبار، مِن أهَمّ الأمور وآكَدِها”.

الشيخ سيدي محمد المدني، بُرهان الذاكرين، فصل السبحة.

– قلتُ: وكأن سيدي الشيخ المدني، أرادَ أن يَشملَ هَذا الأثرُ المبارَكُ، المَرْوي بالتسلسل، كلَّ سادِتِنا الذاكرين وأن يَضُمّهم بروايته إياه في سلك هؤلاء العلماء العاملين. فلنَفْرَح بها بشارةً ولنهنأ بها بُشرًى وأمَارة على اتصال نسبتنا المدنية بهؤلاء الرّجال. ولتكن السبحة وسيلتنا للتقرب إلى الله في هذه الأيام المباركة.

– تحقيق وترجمة، ن. المدني
– 17 أكتوبر 2020.