بِلاَ وَاسطةٍ وَلاَ تُرْجُمان

بِسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الإهــــــداء

إليــك يـــا رســـول الله …
يـــا غــــوث الـــورى …
يـــا معـــدن الجـــود …
يـــا أفصـــح النّاطقيـــــن الضــاد …
يـــا كـنــــز العـطــــــاء…
يـــا ملجـــــأ المضـــــطرّ…
يــــا مـن غــدوت بيـــتا لكلّ قـاصــد وآمــل…

المقـــدّمة

بِسم الله الرَّحمان الرَّحيم

والصَّلاة والسّلام على لِسان اللهِ، النّاطق بآي القرآن، المُبَيِّن عَن الحقّ بأبلج حُجَّةٍ وبُرهان، المُبَلِّغ إلى الأمَّة أنوارَ الهِداية والعِرفان، وعلى آله وصَحابته ذَوي الشّأن.

ومن المَعلوم أنَّ الشّمائلَ المُحَمَّديّة في أعلى مَرتَبَةٍ من الكَمال، وأرقى هاتيك المراتب وأروع المناقب الإبلاغ عن الحَيِّ القيّوم،والإخْبار عَنْه إرشاداً للعباد، وبيانًا لِسُبل الهدى والرَّشاد، وكلاهما لا يَتَأتَّى إلاَّ بإيصال الكلام الرّباني القَديم، ومخاطبة النّــاس بِوَحــي الله العــظيــم، المُــتَضَمِّن لما فــيه صَلاحهم وفَلاحهم في الدَّارَيْن.

وبما أنَّه، مَوصوفٌ بأنّه“رَحمةً للعالمين“، اقتضى أن تَشمَلَ دَعوته سائرَ المخلوقين،وتَصل عِظاتُه إلى كلِّ العاقلين، فَتَنالَ بَركاتُه جُلَّ المَصنوعين مِن أهل السّموات والأرضين، ولذلك تَواصَل مَع المخلوقات كافَّةً،عاقِلِهِم وجَمادِهم،وتَدانى إلى الطّالبين عامّةً،يُنَوِّرهم بِعَزيز المقالات،ويُطَيِّبُ أرواحهم بأرقى النَّفــحات.ولقد سَعَــينا- بتــوفيــقٍ من الله- فــي هــذه الــدّراســـة

المُتواضعة أن نَتَقَـصَّى التَجلّيـات العظـمى لهـذه المخاطبات الّتي دارَت بَـينَ سَــيِّد الكائنات،ونماذجَ عِدَّةً من المَخلوقات،وكلَّها دالّةٌ عَلى أنَّ المقصد الأعظم من الرّسالة هو تبليغ الأمانة حتّى يَصدق قَولُه يوم عَرَفَةَ:”إنَّكم تُسألونَ عَنِّي يوم القيامة فَما أنتم قائلون؟ قالوا:”بَلَّغتَ وأدَّيتَ ونَصَحتَ”،فقال عليه الصّلاة والسّلام: اللّهمّ فَاشهَدْ.

ونَسأل الله تعالى أن يَنفَعَ بما في هذه الدّراسة من اللّطائف،وأن يَمُدَّنا بما فيها من الرّقائق والمَعارف، وأن يُصَلّيَّ على سيّدنا محمّدٍ، أمان كلِّ خَائف،وعلى أله وصحابته، كَعبة الاهتداء لكلِّ ساعٍ وطائف.

الشّيخ
محمّد المنوّر المدني

توطئــــة

بسم الله الرّحمان الرّحيم

«بِلا واسطة ولا تُرجمان» تَأليفٌ لشيخنا سيّدي مُحَمَّد المنوّر المدني، كان لي شرف الاستماع إليه والاطّلاع عليه لمرَّات ذوات العدد. وما ارتسم بفؤادي كقراءة أولى أسوقه مبتدئًا بحمد لله الواحد الأحد،الّذي لَم يَلد ولم يولد، ولم يَكن له كفؤًا أحد، والصَّلاة والسَّلام على الحَبيب المُصطفى أوَّلاً وآخرًا وإلى الأبد.

يَقول الله تعالى وهو أصدق القائلين:”يا أيُّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائلَ لتعارفوا إنَّ أكرَمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبير”
الحُجرات13. فالكلام والتَحدّث مع الإشارات والأصوات واللّغات واللّهجات … في ظاهرها المُجمع عليه ما هي إلاّ وسائل للتّواصل بين الخَلق عموما لتحقيق التّعارف والتّكامل والتّعاون بين عناصر الوحدة الكَونيَّة لتنفيذ الحكمة الإلهيّة السّارية والموقوف عليها الفعل الإلهيّ المعلوم لَدَيْنا والمجهول. يقول الله تعالى : “وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة قـــالـوا أتـجــعل فيــها من يـفــــسـد فــيها ويســفك الــدّماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك قال إنّي أعلم ما لا تعلمون” البقرة30.

أمَّا إذا استعملت في غير ظاهرها فيمكن أن تحمل رسائل لا يَفهمها إلاَّ القادر على حلّ رموزها بمختلف احتمالاتها- وهي من  الطّرق والوسائل الّتي استخدمتها فئات بشريّة مخصوصة على ممرّ التّاريخ للتّستّر والتّكلّم عند التّواصل والتّخاطب- أمَّا إذا أعَدنا هذه اللّغات إلى أصلها الأوّل في قوله تعالى : “وعَلَّمَ آدم الأسماء كلّها“.البقرة 31، واستمعنا إليها من مصدرها كما قال سيّدي أحمد العلاوي : )قلبي يا قلبي افهم عن رَبِّي) (الديوان ص 35 ( فعندها تزول الوسائل وتُمحَى الرّسائل ويُرفع الحجاب الحائل وتُكشف الحقائق للبصائر بلا واسطة ولا ترجمانٍ.

«بلا واسطة ولا ترجمان» عنوانٌ اختاره سيّدي الشّيخ محمّد المنوّر المدني لدراسة وتأليف جديد ننظر مدى مطابقته للطّرح المذكور أعلاه لمحاولة استنتاج ما يمكن استنتاجه.فبمنظار أهل الظّاهر -المكتفين بالسّطور والمقتصرين عليها- هذه الدّراسة هي تتبّعٌ وجمعٌ لجمــلة من أحداث السّيـــرة النّبويّة بمعجزاتها وخصائصها المحمديّة تُنْبِئُ  بعظم قدر الرّسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، وهي كذلك مبحث علميٌّ مطلوبٌ تعلّمُه لِذاته، يُمَـكِّن مـن الـوقــوف على
جانبٍ مهمّ من معالم الشّريعة وحقيقتها للعمل على استمراريّتها وتَجلية أنوارها  ومعانيها السّاميّة. وبذلك نجتهد في اقتفاء آثارها بكلّ جديّة حتّى لا نقع في اللاّمبالاة بحكم التعوّد لا قَدَّرَ الله، بل نعمل على السموّ والارتقاء بقراءتها وتفهّمها الفهم العميق.

فالمبحث طريف ومشوّق قلَّ مَن تناوله إن لم نقل غاب عن الكثيرين تناوله وتتبّعه بهذه النّظرة من حيث الكيــفيّة والكــميّة. فلقــد تطرّق إلى كثيـــر من الجــزئيّات والتّفــاصيل الدّقــيقة الّتي تُحـْجَبُ عــن أبــصار المكتفين بسطور الرّسوم الجافّة.
وهو مَبحث يحرّك في المطّلع عليه الرّغبة في مزيد البحث والإطّلاع بتطلّعِ نحو المقاصد والأهداف.

أمّا بمنظار الإشارة والرّسائل، فيمكن أن نتلقّف البعض من مرامي هذا العمل ومقاصده المبثـوثة هـنا وهـناك الّتي تـؤكّـد على جـملـة من حقائــق عقــيدتــنا. فالمتـتبّعُ بعــيــن البصيرة لهــذه الدّراســة بمختلف جوانبها يجدها تصفُ :
· الكَمال المحمّدي من خلال علمه،ومعرفته الجيّدة بلغات التّخاطب والتـّواصل مع البشريّة قاطبة وغيرها من المخلوقات وما فوق ذلك أيضا.

·  لا دخول على الله إلاَّ من باب النّبي صلى الله عليه وسلم، ولا سعادة للبشريّة دونَ ذلك، فكم من غير البشر تَوَجَّه والتجـأ إليه فسعد في الدّارين.

.أهميّـة التّشـفّع والتّـوسّـل بـسيّــد الخلـق صلى الله عليه وسلم والأمثـلة واضحة وجليّة في هذه الدّراسة.

·  وجوب طاعة النّبي صلى الله عليه وسلم ومحبّته الحبّ البديهيّ والكليّ.
·  ضرورة التّحلّي بالامتثال والآداب معه وفي حضرته، وهو ما يتجلّى في سلوك المخلوقات كلِّها تجاهه .

·  تغذية الشّوق والهيام والوَلَه بمحبّته .

هذه المعاني، وغيرُها كثير، جليّة في هذا التّأليف من خلال تعامل المخلوقات من بشر وحيــوان وأشجــار وجــماد … معه ،فكأنّما ترسـل إلينا برسائلها مـؤكّدة عــلى أولـويّة المــؤمن بذلك في إيمانه وعلاقته واتّباعه ومحبّته للنّبي صلى الله عليه وسلم .

وفي المرحلة الأخيرة ألا يحقُّ لنا إذا رأينا ذلك اعتبار هذا العمل بسطوره ومضامينه ومراميه رسالة ووثيقة ســير للمريد بما يجد فيه من مادّة علميّة ذات المعاني والرّسائل والإشارات الموجّهة نحو التّعلّق والحبّ والشّوق والغرام والوَلَه والتّفنّن بالغناء بالمحبوب على لسان مخلوقات أخرى وأحوالها المُؤْمِنُ بها أَوْلَى.

ألا يمكن أن تكون هذه الدّراسة وثيــقة يستــمدّ منهــا المريـــد على قـــدر استـــعـداده وفهـمه الأحوال المساعدة والآداب الضّابطة للسّير نحو ربّ العباد .
كلّ هذا يمكن ملاحظته واستنتاجه من خلال عنوان هذه الدّراسة الّذي يشير إلى مرحلة الوصول في طريق القوم، حين يقول الشّيخ لمريده بعد أن تدرّج به:)هاأنت وربّك «بلا واسطة ولا ترجمان»( .

هكذا يتكلّم،وبهذا ينطق،وإلى هذا يرمي ويشير مشائخ التّربية رضي الله عنهم… ومن يسمع أو يقرأ مُتَفَهِّمًا ومتعمّقا قد يساهم ولو نسبيّا في حلّ لغز الإشارة بحسب درجة مقامه ومستواه دون حصر أو حدّ في فهم المعاني بأنوارها وأسرارها.
نسأل الله الفهم السّليم، والمنفعة بكلّ عمل قويم، والثّبات على الطّريق
المـستـقيــم، بِـرَحْـمَـةِ الــرَّحْــمـن الـرَّحِيم، وبِحُرْمةِ مَنْ أَكْثَرَ عَليهِ الصّلاةَ والتَّسْلِيم …

الأستاذ
سالم ابن الحاج حسن الزّينة
– بنّان –

بسم الله الرّحمن الرّحيم

اللَّهُمَّ صَــلِّ وَسَلِّـمْ وبَارِكْ عَلى سَيِّــدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّد المَوْصُـوف بِخَيْــرِ النُّعُــوتِ والأسْمَـاء،وَبَحْـرِ العِلْمِ الزَّاخِـرِ وينْبُـوعِ الحِكْمَـةِ وَالذّكـاءِ .

مـدخــل عـــامّ

إنّ تَواصُلَ بَني البشرِ فِيما بَيْنَهم يَتِمُّ بِإشاراتٍ أوْ لُغاتٍ مُكْتَسَبَةٍ مَخْصوصَةٍ بِكُلِّ فِئةٍ حَسبَ مُكَوِّناتِها البِيئِيّةِ والتَّارِيخِيّةِ والجغْرَافِيّةِ.وَقَد عَدّ أهلُ الاخْتِصاص مئاتِ الآلاَفِ مِنَ اللُّغاتِ الّتِي تَخاطَبَ بها النّاسُ مُنْذ بَدْءِ الخَليقَةِ . ولَمْ تَقْتَصِرْ اللّغاتُ على الكائنِ البَشريّ بَلْ إنّ الحيوانات وبَقِيّة الكائِنات الطَّبِيعِيّة المُتحَرِّكة مِنْها والجامِدَة لَهَا لُغات خاصَّة بِهَا لا يَعْرِفُ مَدْلولَها أحدٌ بِالرّغْمِ من مئاتِ المُحاولاتِ التَّحْليلِيّة لِقِراءَتِها٭ .

وَلَمْ يَثْـبت إلى الآن أَنْ تَجاوَزَت قُـدْرَة أيٍّ كانَ علَى اسْتِيـعابِ عَدَدٍ قَليلٍ مِن اللُّغاتِ مَاعَدَا سَيّدنا آدم٭1 عليه الصّلاةُ والسّـلامُ مِصْداقًا لقـوله تعـالى:﴿وَعلَّـمَ آدَمَ الأسْـمَاءَ كُلَّهَا ﴾1.

الْبَاب الأول فِي سيرة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَارك وترحم وَشرف وكرم

ذكر نسبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم (مُحَمَّد) بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن...

وصف الرّسول من طرف بعض الصّحابة

فَكَيْـــفَ تُنكِــر حُــبّا بعـــدما شَهِدَتْ * بِهِ عَليْكَ عُدُولُ الـدّمْعِ و السِّقَـــمِ...