لَطَائِفُ الصِّلاَتِ فِي أَنْوَار الصَّلاَةِ

Home مؤلفات الشيخ سيّدي محمد المدني المذاكرات لَطَائِفُ الصِّلاَتِ فِي أَنْوَار الصَّلاَةِ

بسم الله الرحمن الرحيم

1- حَمدًا لِمَن تَجَلَّى للشُّهودِ، وظَهَرَ لِعِبَادِهِ بمَا هُو موجودٌ، وصَلاَةً وسلامًا عَلَى ذي الحَوْضِ المَورُودِ، عَينِ الرَّحْمَةِ وأَصْلِهَا، وقَبْضَةِ الأَنْوارِ وفَصْلِهَا، سَيِّدنَا مُحَمَّدٍ وآله، وكلِّ مَن نَحَا نَحْوَهُ، وسَارَ عَلَى مِنوالِه،

2- أمَّا بَعْدُ، فَقَد سَألَنِي بعضُ الأصدِقَاء عَن قَولهِ تَعَالَى في كتابِهِ المُطَهَّرِ: ” إنَّ الـــصَّـــلاَةَ تَــنْهَـــى عَنِ الــفَـــحْـشَاءِ وَالمُــنْكَــرِ ولَــذِكْــرُ اللهِ أَكْــبَــرُ [[جزء من الآية 45 من سورة العنكبوت، وبقيتها: “ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ”.]] “.

3- قلتُ وباللهِ تَكَلَّمتُ: إنَّ الآيةَ تَحملُ عدَّةَ مَعَانٍ، والأَلفَاظُ تَحمِلُ كَمَا تَحمِل الأَوانِي. وأوَّلُ وجْهٍ يَظْهَرُ مِنَ الكَلام ويُفهَمُ للخاصِّ والعَامِّ، يُخاطَب به خالي القَلب من الأحوال، مُتَجَرِّدَ الجوارح من الأعمال، مُعرضٍ عَن الطاعات، مُنغَمِسٍ في أودية الشهوات، فَيَتَنَبَّه بهاته الآية ويؤمر ويقال له: ” إنّ الصَّلاةَ تَنهى عَن الفَحشَاءِ والمُنْكَر ” الخ… أيْ بِهَا وَتَحِلُّ بِحلِّيَتِهَا فَإنَّهَا تَنهى عَنِ المُخَالَفَاتِ، وتُبَاعِدُ عَنِ المُنْكَرَاتِ.

4- قَولُهُ: ” ولَذِكرُ الله أكبَرُ ” يَكونُ تقديرُه وَلَذِكرُ الله مَعَهَا أَكْبَرُ فِي النَّهي وَالمَعْنَى: إنَّ الصَلاةَ وَحدَهَا تَنْهَى عَن الفَحشَاءِ والمُنْكَر، وإذا أضيفَ لَهَا ذِكرُ اللهِ كَانَت أَكبرَ في النَّهيِ، لأنَّ الذكرَ مِنَ النَّوافِل.

5- ومعلومٌ أنَّ مَن قَامَ بالفَرَائِضِ تَبَاعَدَ في الغَالِبِ عَن المُخَالَفَات، ومَن زَاد مَعَهَا النوافلَ، ازْدَادَ تَبَاعُدُهُ عَنهَا وَنُفُورُهُ منهَا. وَفَائدَة الذكرِ تَنقيَةُ القَلْبِ مِنَ الأدْنَاسِ وَتَصفِيَتُه مِنَ الأَرجَاس، فَفي الخَبَرِ: ” كلُّ شَيء له مِصقلة وَمِصقَلَةُ القَلبِ ذكرُ الله [[ذكرَ في حَاشِية الصَّاوِي عَلَى الشَّرح الصَّغير، 11، 326. ]] “. ووَرَدَ أيضًا :” إنَّ القلوبَ لَتَصْدَأ كَمَا يَصدأ الحديد قيل وما جلاؤها، قَالَ ذِكْرُ اللهِ [[شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ ، فَصْلٌ فِي إِدْمَانِ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ.]] ” أَو كَمَا قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيه وسلَّمَ.

6- الوَجْهُ الثَّاني: مَعنَاهُ أَرَقُّ وإدْرَاكُه أدقُّ، يُخَاطَبُ به السَّامِعُ تَحريضًا لَه عَلَى التَذَكُّرِ، وتَرغيبًا فِي التَفَكُّرِ، فَيقالُ لَه: إنَّ الصَّلاةَ مِنْ حَيثُ هيَ تَنهَى عَن الفَحشَاءِ والمُنكَرِ، ولَذكرُ اللهِ فيهَا بمعنَى حُضُورِ المُصَلَّي مَعَ الله فيها أكبَرُ فِي النَّهي. وَبعبَارَةٍ أخْرَى إنَّ الصَّلاةَ إذا كَانَت معَ خُضُوعٍ وَحضُورِ قَلْبٍ وَخشوعٍ أَكبرُ نَهيًا منهَا مُجَرَّدَةً من ذلكَ وَعَاريَةً عَمَّا هَنالكَ، إذِ الصَّلاَةُ مَعَ المُرَاقَبَة أَفضَلُ منهَا بِدُونهَا.

7- وإحْسَانُ العِبَادة مَرغوبٌ، والحُضُورُ مَعَ اللهِ فيهَا مَطلوبٌ، وَذَلكَ بُغْيَةُ العَابِدينَ ومُنْيَةُ المُتَّقِينَ، قَالَ صَلَّى الله علَيْهِ وَسَلَّمَ: ” وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ [[جزءٌ من الحديث الصحيح الحسن وهو: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ سَلَّامٍ أَبِي الْمُنْذِرِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ، مسند أحمد.]] “. فَمَنْزِلَةُ الإحْسَانِ مِنَ العِبَادَة مَنزلَةُ إنْسَانِ العَيْنِ مِنَ الألْحَاظِ، أَو نَقُولُ مَنْزِلَةَ المَعَاني من الألْفَاظِ.

8- والصَّلاَةُ صورَةٌ قَائمَةٌ، مُكَوَّنَةٌ مِن أَعْمَالٍ وَأَقوَالٍ تَنهَى فَاعِلَهَا عَن المُخالَفَة لأنَّهَا طَاعَةٌ أحَد شِقَّيْ الإنسان الذي هو الظاهرُ، وذِكرُ الله فيها ومُرَاقَبَتُه حتَّى كَأَنَّكَ تَرَاهُ، رُوح تلكَ الصُّورَة أَكْبَرُ نَهيًا لأنَّهَا زَادَت بخضوع الباطنِ، والانْقِيَادُ بالكلّ أعْظَمُ مِنَ الانقيَادِ بالبَعض، وبِقدرَة الامتثال يكون الاجتنابُ والإعراضُ، فَمَن استعمَلَ ظَاهرَه في الطَّاعَاتِ فَقَد جنَّبَهُ عَن المُخَالَفَات، ونَهَاهُ عَن المُنكَرَاتِ، ومَن صَفَّى قَلبَه ونَقَّى لُبَّهُ، وَأطَاعَ بجميع الجَوَارح فَقَد تَجَرَّدَ عَنِ القَبَائِحِ، وتَزَيَّنَ بالمَصَالِح.

9- فَتَحْصُلُ مِن هَذَا أنَّ الصَّلاَةَ كَيفمَا كَانَت تَنهَى عَن الفَحشَاءِ وَالمُنْكَر، ولَو لَم تَكُنْ مُشْتَمِلةً عَلَى التَّفَكُّرِ، ومُحتَويةً على التذكُّر، وأَكْبَر نَهيًا إذا كَانَت مَعَ الإحسانِ وحُضُورِ القَلْبِ والجَنَان، مُنَاجِيًا صاحبُهَا ربَّ العَرْشِ والأَكْوَان، فإنَّهَا مَحَلُّ المُنَاجَاة ومَعدَنُ المُصَافَاةِ.

10- الوَجْهُ الثَّالثُ: يُخَاطب به المريد الوصال من حَضرَة الكَمَال فَيقالُ له: إنَّ الصَّلاَةَ التي هي الوَصْلَةُ بَينَ العَبد وَرَبِّه، تَنهَى عَن الفَحْشَاءِ والمُنْكَر، وكلُّ مَا سِوى الله حِينئذٍ مُنْكَرٌ، وكلُّ ما خَلاه باطلٌ، وفي جَميع الأزمنة مُنتَفًى وَزَائِلٌ، فَهاتِه صَلاَةُ الاتِّصَالِ وهيَ مَقصد الكُمَّلِ من الرِّجَال، فإذَا وَصَلَ المريدُ لِحضْرَةِ المَلكِ المَجيد انتَهَى عَن غَيرِ اللهِ، حَيثُ مُحِيَ مِن نَظَرِه كلُّ مَا سِواهُ، فالأعيانُ مَفقودَةٌ ومنَ نظرهِ مَعدومَةٌ غَيرُ مَوجودَة، وكيف توجَدُ والحالُ أنَّه لَم يبقَ بَينه وبين الله حجابٌ، فَوجودُ مَا سوَى اللهِ مُحَالٌ، لأنَّهُ يُؤدي إلى وجودِ الحِجَاب، وهوَ يُؤَدِّي إلَى تَحيُّزِ الوجود الحقيقيِّ، وهو مُحالٌ، فَمَا أدَّى إلَيهِ مِن وجودهما سواه مُحالٌ ومَحضُ خَيَالٍ.

[vert]فالكــــلُّ دونَ اللهِ إنْ حَقَّقْتَـــهُ *** عَدَمٌ عَلَى التَفصيل والإجْمَالِ[/vert]

[vert] والعَارفُونَ بِرَبِّهم لَم يَشهَدُوا *** شَيئًا سِوَى المُتَكَـبِّرِ المُتَعَــالِ[/vert] [[تروى هذه الأبيات للعارف بالله سيدي أبي مدين الغوث. ]]

11- ويعُبَّرُ عَن هَاتِه الصَّلاَة بصلاة الأرواح والصلاة الدائمة أيضا لأنَّ المصلي فيها متصل السجود دائم الشهود، لاَ يَخرج بالسلام، مستغرق في الوجود ومشاهدة حضرة الملك العلام قال بعضهم:

[vert]منذُ سَجَدُوا مَــا رَفَعُـــوا *** وَمُـــنْذُ وَصَلُـوا ما رَجَـعــــوا[/vert]

12- وقَولُه: ” وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ” جَزَاءُ تِلكَ الصَّلاَةِ، وَأَخبَرَ عَنهُ بِأَنَّهُ أَعْظَمُ منهَا أيْ بالنِّسبَة لذلَكَ المُصَلِّي، وَهوَ مِن إضَافَةِ المَصدَر لِفَاعِلِه، فَيَصيرَ التقديرُ: وَلئنْ يَذكرُ اللهَ هَذَا المُصَلِّي، المَفهومُ منَ السِّيَاق أَكْبَرُ وأعظَمُ، وَيُنَاسِبُ هَاتِهِ الصَّلاةَ تَفسير الذِّكرِ هنا بتَجَلِّيهِ وإسبالِه عَلَيه حُلَّةَ تَوَلِّيهِ، فَيَكونَ وجودُهُ بالله، وَكَلاَمُه وبَصَره بِمن أَسبَلَ عَلَيه حلَّةَ بهَاه، فَيَقولُ كَمَن قَالَ:” وَأَمْري بِأَمْرِ اللهِ، إنْ قلتَ كُنْ يَكُنِ [[ وَأَمْرِي بِأَمْرِ اللهِ إِنْ قُلْتُ كُنْ يَكُنْ *** وَكُلٌّ بِأَمْرِ اللهِ فاحْكُمْ بِقُدْرَتِي، بيتٌ من تائية عبد القادر الجيلاني ]] “.

13- ولَمَّا تَجَلَّى الحَقُّ عَلَى القُطب الأَغَرّ، والغَوثِ المُشتهر شَيخِنَا سيِّدي أحمَد العَلاَويِّ [[شيخ المؤلف، توفي 1934.]] ، رَضيَ اللهُ عنه، قَالَ بلسان التلويح أو نقول بِلِسَانِ التَحقيق والتَّصريح:

[vert]أنا عَينٌ للتَّحقيق يَا مَن تَطلبُ رؤيَتِي *** أنَا مَنهَجُ الطَّريق وَالكَونُ فِي قَبْضَتِي[/vert] [[ديوان سيدي أحمد العلاوي. ]]

فهاته هي الصلاة وهذا هو الثواب وما سوى ذلك مَحضُ خَيَالٍ وَسَرَابٍ، فَيَا سَعَادَةَ مَن ” ذَكَرَ اسمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [[سورة الأعلى، الآية 15. ]] “، وَعَلَى عَدَمِهِ الحَقُّ، تَعالى، بِوُجِودِهِ تجلَّى. اه.

الشيخ سيدي محمد المدني يذاكر في تَربية الصغار على مَجالس الذكر

أحْضروا الصِّغَـارَ، في مَجالسِ الذِّكْر والتَّعليم الشيخ سيدي محمد المدني يذاكر في تَربية الصغار...

سيدي محمد المدني، قضاءَ الصوم دونَ كفّارة :

الأولى: إذا نسي الصّائمُ، فَفَعَلَ شيئًا يناقضُ الصّيامَ، كَالأكل والشُّرْب. الثانية: إذا أكْرِهَ...

الشيخ محمد المدني يتحَدّث عن الَقدَر

"عَلَى العاقِل إلاّ أن يَعترفَ بإحاطة القَدَر بِكُلّ فعلٍ من أفعال البَشَر، وتلكَ حكمة الله في...