رسالة الشيخ المدني إلى فقراء منزل حشاد بالسواسي

Home مؤلفات الشيخ سيّدي محمد المدني الرسائل رسالة الشيخ المدني إلى فقراء منزل حشاد بالسواسي

بسم الله الرحمن الرحيم

يشرفنا أن نقدم لحضراتكم هذه الرسالة التي كتبها سيدي الشيخ محمد المدني، ضي الله عنه، سنة 1935 وجهها إلى ثلة من فقراء منزل حشاد (عرش الكلبات سابقا)، بمنطقة السواسي، ولاية المَهدية. وفيها إجابة عن ثلاثِ مسائل.

1. أهلَ نسبة الله السادة الأفاضل، بِعَرش الكلبات بعمل السواسي، أخصُّ بالذكر منهم، المقدمَ المَبرور، وحاملَ كتاب الله سيدي مصباح الدرواز وأخاه الفاضل سيدي عمر الدرواز والفاضل سيدي منصور بن عمر، وأخاه الأجل سيدي عمارة والفاضل سيدي الشاوش صالح، والباقون منهم وارتسامهم في جَناني يُغني عن رسمهم ببَنَاني، السلام عليكم ما دمتم لله ذاكرين، ولأهل الله منتسبين، ورحمة الله والبركة.

2. أما بعد: فقد تشرفنا بحضوركم في احتفال المولد النبوي، جعلنا الله وإياكم في شفاعة صاحبه، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام. ولقد سرنا حضوركم مع إخوانكم واعتناؤكم بذلك الاحتفال، الذي أسس على تقوى الله، وليس وراءه مقصدٌ إلا القيام بما يجب له، صلى الله عليه وسلم، كما جرى عليه عمل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. ولكنه قد صار ذلك المنظر ومثله، في هذا الزمان، كعنقاء مُغرب، ولا إلهَ إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

3. وكنتم سَلمتم لنا كتابًا من بعض التلامذة بالجامع الأعظم، عَمَّره الله، يسألون فيه عن مسائل تجري على ألسنة الفقراء في الله ببعض أناشيدهم، فاستنشدوا منها عباراتٍ لم تبلغها عقولهم ولم تسعها حوصلتهم، أرادوا فتح مغلقها وحل أقفالها.

4.وها نحن نكتب لكم الجوابَ عن ذلك حسبما أمكن، عَسى أن يكون شفاءً لما في الصدور، وذلك ينحصر في ثلاثة مسائل:

 المسألة الأولى :

ما معنى إنشادكم؟ 
هياو يـــا فقرا * نزوروا إمامَ الحضرة
يوصلنا بنظرة * لِحَضرة رسول الله؟

 5.الجَواب عن ذلك: أنَّ هاته القصيدة المُوَشَّحة من نظم المرحوم العارف بالله سيدي ابراهيم بن الصغير، أحد إخوانِنا بحاضرة تونس، وله شعرٌ بديع من النظم الموزون، كما أنه يَميل إلى النظم الملحون، والموشحات الرائقة التي تشبه موشحات الششتري، رَضي الله عنه، وقد نسج على ذلك المنوال كثير من شعراء الأندلس رحمهم الله.

6.         و معنى هذا البيت أنه يستنهض إخوانه الذاكرين لزيارة شيخهم الذي يعتقد فيه أنه إمام الحضرة الصوفية ليوصل إخوانه إلى الحضرة المحمدية، وليس المراد من هاته النظرة أنها نظرة بصرية، بل هي نظرة قلبية وعَطفة روحانية ينظرها الشيخ لمريده الصادق فيحصل له فَتحٌ مبين حتى يكون من المقربين إلى الله.

7. وتتسبب تلك النظرة من صفاء قلب المريد وانقياده لأستاذه بنية وإخلاص ضميرٍ، فيفيض عليه مما منحه الله فلربما أوصله الشيخ إلى الحضرة المحمدية، ولربما أوصله إلى الحضرة الإلهية، فيكون من عباد الله المقربين، وتلك هي الغاية المقصودة والضالة المنشودة التي يصحب المريد شيخه لأجلها. وأشار ابن عاشر لها بقوله : يصحب شيخًا إلى قوله يوصل العبد إلى مولاه.

8. وأما المريد الذي لم تحصل له هاته النظرة من شيخه، فإنه يبقى في الحجاب لم يفتح له الباب، و لم يصل لحضرة الاقتراب، حفظنا الله وإياكم. واعلموا أن التلامذة كلهم من أي فريق كانوا وفي أي فن كانوا إذا لم تحصل لهم من شيوخهم نظرة عطف وحنان لا ينتفعون بعلمهم، بل يرتَدّونَ على أدبارهم خائبين.

9. وقد رأينا كثيرا ممن رضي عنهم مشائخهم فازوا فوزًا عظيما. وكثيرا ممن غضبوا عنهم، فولوا على أدبارهم نفورًا. هذا معنى النظرة أيها الإخوان واختاروا لأنفسهم ما شئتم ولكم الخيرة فإذا فَوضتم لنا الأمر في الاختيار لكم، فإني أنشدكم قول الإمام الجيلي رضي الله عنه:

وإن ساعَدَ المقدورُ وساقك القضا * إلى شَيخٍ حي في الحقيقة بارع
فكـــن عنده كميت عند مغسل *يقلبـــــــه ما شاء وهو مطاوع

9. وها أنا أذكر لكم مثالاً من طاعة التلامذة وانقيادهم لأستاذهم، واستجلاب نظرة العطف والحَنَان من قلوب الأساتذة. فأقول: ذَكَرَ صاحب البستان: أنَّ العلامة المحقق، حافظَ مذهب مالك، الإمام خليل، صاحب المختصر، ذهب يومًا إلى دار أستاذه المبرور سيدي عبد الله المنوفي، ‏فوجد جماعة من الطلبة واقفين على حفرة بيت الخلاء فسألهم عن شيخه أين ذهب ؟ قالوا ذهب يستأجر رجلا لتنظيف هاته الحفرة، فقال الشيخ خليل أيكون ذلك وأنا موجود ؟ ثم شمر على ثيابه ونزل إلى تلك الحفرة ونظفها. فأتى شيخه وهو على تلك الحالة، فَسَأله فأجابه:  لا يمكن أن تأتي بخادمٍ، وأنا موجود. فَدعا له بخير وجميع العلماء يعلمون ما أفاضَ الله على سيدي خليل من العلم حتى انتفع بتأليفه من لا يحصون كثرة من مشارق الأرض ومغاربها. وما ذلك إلا بسبب تلك النظرة الصالحة من شيخه سيدي عبد الله المنوفي رضي الله عنهم أجمعين.

المسألة الثانية :

10. ما هو مَعنى قَوله:

هُـــو الإمامُ * هـــو غايَةُ المَرَام
قُطْبُ الأنام *يا رَبِّ، ارزُقْنا رِضاه

11. الجَوابُ: وهذا البيتُ معناه واضحٌ. وذلك أنَّ الشاعرَ وصفَ شيخَهُ بأنَّه إمامٌ في عِلم التصوف، يَقصده المريدون للوصول الى الله، وإنَّه قطبٌ يَدور حوله المريدون، يستفيدون منه. وذلكَ مأخوذٌ من قُطب الرحى، التي تَدور حَولَه. وهي عبارةٌ صوفية يَقصدون بها التعظيمَ كقول بعض الكتاب: العُمدَة الملاذ، وهكذا.

المسألة الثالثة:

ساداتُنا الفقراءُ، أهلُ الطريقة المدنية، يَعتقدونَ أنَّ شَيخَهم من أولياء اللهِ الصَّالحينَ. هل هذا صحيحٌ؟

الجواب عن هذا: أنَّ اللهَ تعالى يقول : “فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكَمْ“، (سورة النجم: 32)، إن أولياءَ الله الذين وَصَفهم القرآن بأنْ لا خَوفَ عليهم ولا هُم يَحزنون، وهُم الذين آمنُوا وكانوا يتقون”، فالأمان خاصٌّ لكل مؤمنٍ والحمدُ لله على اختلاف دَرَجاتِ المُؤمنينَ، والإيمانُ يَزيدُ وينقصُ على القَول الراجح. إنَّما على المؤمن أن يتقيَ اللهَ ما استطاعَ، ويَسعى في العمل الصالح، مَع الفرائض، التي هي أحبُّ ما يُتَقَرَّب به إلى الله، “ثمَّ مازال المؤمنُ يَتَقَرب إلى الله بالنوافل حتى يحبه، فَيكونَ له سمعًا وبَصرًا، ويدًا، ورجلاً، فَيكون من عباد الله المقربينَ، وأوليائه الصالحين “الذين لا خوفَ عليهم، ولا هُمْ يَحزَنُونَ“، فَعليكم، باركَ الله فيكم، بِتَقْوَى الله ما استَطَعْتُم.

وهذا ما ظَهَرَ لي كتبته لكم، عَسى أنْ يَنفَعني اللهُ وإياكم به، فيكونَ شفاءً لما في الصدور، وسَبَبًا في القرب والحُضور.

والسَّلامُ من كاتبهِ العبدُ الضعيف، محمد المدني العلاوي.
(من رسالة كتبها الشيخ محمد المدني، رحمه الله، إلى فقراء عرش الكَلبات، بالسواسي سنة 1935).

تحقيق ن. المدني
6 جانفي 2018

رسالة سيدي محمد المدني إلي سيدي الحاج البشير بن محمد الصالح

1. حَضرَةَ الصَّديق المبرور والعارِف المَشكور، وَليّ الله تعَالى، سيدي الحاج البشير بن محمد...

رسالة إلي سيدي البشير محمد الصالح- قابس –

بسم الله الرحمن الرحيم 1) حضرَةَ الأخ المبرور والصَّديق المشكور، العارف بالله تعالى ورحمته و...

رسالة إلى سيدي إبراهيم بن الصغير، رحمه الله

بسم الله الرّحمن الرحيم 1. صادقَ المَحَبَّة، قويَّ الرَّغبةَ، ابنَنَا الأبَرَّ، العارفَ بالله،...